+ A
A -
محمد هنيد
أستاذ محاضر بجامعة السوربون
يتردد اللفظ يوميا في الخطاب السياسي والإعلامي عربيا حتى غدا ملازما له، فهذا مبعوث في اليمن وذاك مبعوث في ليبيا وآخر في سوريا وقبلها في العراق. قد يبدو الأمر طبيعيا بوضعه في سياق الدبلوماسية الدولية التي تفرض على الشعوب الضعيفة هيمنة القرار الدولي على القرار الوطني. لكنّ السياق العربي يبقى سياقا خاصا إذا ما اعتبرنا أنّ المشهد يعيد إلى الأذهان وضع المنطقة خلال منتصف القرن الماضي حيث حدّد القرار الدولي مصير شعوب المنطقة ومصير أوطانها.
لقد كان بليكس مبعوث الأمم المتحدة إلى العراق قبل الغزو وهو الذي كذب بشأن أسلحة الدمار الشامل الأمر الذي استعمل ذريعة لغزو البلاد وتدميرها. أما اليوم فقد تحول المبعوث الأممي إلى جزء من المشكلة التي يوهم العالم بأنه جزء من حلّها ففي ليبيا لم يحرز المبعوث الأممي تقدما يُذكر ولا هو نجح في نزع فتيل الحرب بين المتقاتلين بل زاد في تعميق حدّة النزاع وفي تغليب كفّة طرف على آخر.
لكن للإنصاف لا يمكن تعليق مآسي المنطقة وحروبها على الأطراف الدولية مهما بلغت من القوّة والنفوذ لأنّ سبب المشكل وجذور الصراع تبقى داخلية في الجزء الأكبر منها. إن حضور الفاعل الدولي ليس في الحقيقة سوى عنوان فشل الأطراف الداخلية في تسوية نزاعاتها فيما بينها وهو الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه للتدخل الأجنبي. بل إن الأخطر من ذلك هو أنّ حضور الطرف الأجنبي غالبا ما يكون بدعوى من الأطراف العربية نفسها.
إن معالجة البناء العربي المؤسساتي تعدّ اليوم من أوكد الضرورات القادرة على تحصين البيت العربي من التدخلات الخارجية التي لم تورّث الأمة وشعوبها غير الحروب واستنزاف الثروات.
لقد أظهرت الأزمات المتعاقبة بعد ثورات الربيع أنّ الأمة اليوم لا تستطيع أن تتقدم دون القدرة على بناء نظام تحكيمي أو تعديلي قادر على فض النزاعات البينية دون الحاجة إلى التدخل الخارجي. ولم يعد هذا البناء مسألة تنظيمية أو ترفا إداريا بل هو اليوم مطلب في قلب التحولات التي تعرفها الأمة وشعوبها حتى يمنع عنها تجدد الأزمات التي سقطت فيها والكوارث التي مرت بها والتي قد تنفجر في كل آونة حين.

{ [email protected] -
copy short url   نسخ
30/12/2021
945