+ A
A -
مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل -
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةيواصل برنامج الصندوق الأسود لتليفزيون صحيفة القبس الكويتية نجاحه وتميّزه، نلاحظ هنا سقف الطرح والمعلومات المختلف تماماً عن سياق المؤسسات الإعلامية الرسمية في دول الخليج العربي، وهذا يعني أن الضوء الأخضر من أصحاب القرار الذي أُعطي للقبس قد حقق فارقاً مهماً لصالح الإعلام الكويتي الذي تراجع بصورة مذهلة وفقدت الصحافة الكويتية مكانتها الفارقة خليجياً وعربياً لأسباب عديدة، ومنها تأثر الصحافة الكويتية منذ الغزو العراقي، واضطراب وانخفاض مساحتها، لأسباب تختص بالتدافع الداخلي، لحماية هامش الديمقراطية بين المعارضة وبين الحكومة، بعد ابتلاع الدولة ثم عودتها بعد انسحاب العراق، وأثره على حساسية الخطاب الإعلامي في الصحافة الوطنية، في العمق الخليجي والعربي، خشية من استفزاز تلك الأطراف الإقليمية والعربية القوية.
ولكن تليفزيون القبس، من خلال ضبط اللغة الذي مارسه مقدم البرنامج ومعده عمّار تقي، بدأ يستعيد بعض المساحة التي فقدتها الصحافة الكويتية وإن في إطار نسبي، وفي الوقت ذاته استثمر منصة التيوب التي تجتذب ملايين المشاهدين. ففي حالة د. عبدالله النفيسي، استطاعت القبس أن تحول خطابه الجذاب إلى محطة استقطاب من داخل البيت الكويتي نفسه، في حين كان سابقاً يطرح رؤاه في منابر محدودة وسط حساسيات شديدة تجاوزها البرنامج، وهي معادلة ذات أبعاد سياسية أخرى لسنا في وارد الحديث عنها اليوم.
هذه المرة كان الصندوق الأسود في ضيافة السياسي العراقي المعروف فائق الشيخ علي، وهو شخصية بارزة في جدل المشهد العراقي، متداخلة في تاريخها السياسي، وانتمائها المذهبي والحقوقي منذ عهد الاستبداد لحزب البعث حتى الاحتلال الأميركي، وقد نعود لمطارحة بعض أرشيفه وآرائه المهمة، وهو اليوم من أبرز البرلمانيين الداعين للتحرر من هيمنة إيران، رغم ازدحام الموروث الطائفي لديه، ليس من خلال ليبراليته ونسبه لأسرته العلمية المهمة في النجف، ولكن وفقاً لحضور هذا البعد في حياته الشخصية، وتأثيره على بصمة خطابه، الذي لا يُقلل من شهادته على تاريخ العراق الحديث.
أما موضوع المقال الرئيس، فهو تركيز الصندوق الأسود، في ذاكرة فائق الشيخ علي، وفي المقاطع المستدعاة للزعماء العراقيين، على إشكالية علاقة العراق بالكويت، من خلال القضية التي بُني عليها الغزو على الأقل وفقاً للآلة الدعائية لحزب البعث العراقي، لكن البرنامج وبوضوح تام يُركّز هنا من خلال فريقه ومؤسسته الكويتية على شواهد هذه القضية في الحياة السياسية للعراق، وأنها حاضرة في كل تاريخ العراق منذ الاستقلال، متجاوزة للانقسام السني الشيعي أو التعدد الحزبي، فضلاً عن إشارات فائق الشيخ نفسه في قضية التداخل بين العراق والكويت، وكأنما أراد الصندوق الأسود أن يقول إن هذه القضية لا تزال لم تُحسم داخل الضمير الوطني العراقي، ولا تزال تمثل خطراً على الكويت، مستذكرين رسائل التهديد التي وصلت من ميلشيات طائفية في جنوب العراق خلال التوترات الداخلية العراقية.
وبالذات حين عرض الصندوق الأسود على هامش ذاكرة فائق الشيخ علي مقطعا من لقاء تليفزيوني للرئيس العراقي الأسبق عبد الرحمن عارف، أكد فيه مزاعم الدولة العراقية بتبعية الكويت للعراق، واستثمار الإنجليز لهذا الملف، وهذا يعني أن القضية لم تكن مرتبطة بعهد الرئيس السابق صدام حسين، ولا بحكم حزب البعث المستبد.
ولكن يُستدرك هنا بأن مفهوم الخلاف على الحدود وانتماء الإقليم لدول أخرى أمر متكرر آسيوياً وعالمياً، لكن الكارثة في الخطوة المجنونة في غزو الكويت التي كانت ارتداداتها مروعة على العراق وأهله، وليس الدولة والشعب الكويتي فقط.
المهم هنا هو أن قرار القبس وضع المجهر على جذور هذه القضية، قرار جريء وإيجابي، لكن الأهم هو كيف يُكيّف الحل الضامن، لتحييد هذا التوجه وزراعة أرضية تَفَهُّم لدى البيت العراقي، تفصل بين التاريخ الاجتماعي والجغرافيا السياسية وبين واقع الشعوب العربية اليوم وما آلت إليه، والأمرُ الآخر هو هل تحتاج الكويت إلى تعريف جديد لرابطتها الإقليمية العربية مختلفة عن الرواية العراقية دون نزاع أو صراع شرس وأين هذه الرواية الأخرى؟
للحديث بقية
باحث عربي مستقل -
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةيواصل برنامج الصندوق الأسود لتليفزيون صحيفة القبس الكويتية نجاحه وتميّزه، نلاحظ هنا سقف الطرح والمعلومات المختلف تماماً عن سياق المؤسسات الإعلامية الرسمية في دول الخليج العربي، وهذا يعني أن الضوء الأخضر من أصحاب القرار الذي أُعطي للقبس قد حقق فارقاً مهماً لصالح الإعلام الكويتي الذي تراجع بصورة مذهلة وفقدت الصحافة الكويتية مكانتها الفارقة خليجياً وعربياً لأسباب عديدة، ومنها تأثر الصحافة الكويتية منذ الغزو العراقي، واضطراب وانخفاض مساحتها، لأسباب تختص بالتدافع الداخلي، لحماية هامش الديمقراطية بين المعارضة وبين الحكومة، بعد ابتلاع الدولة ثم عودتها بعد انسحاب العراق، وأثره على حساسية الخطاب الإعلامي في الصحافة الوطنية، في العمق الخليجي والعربي، خشية من استفزاز تلك الأطراف الإقليمية والعربية القوية.
ولكن تليفزيون القبس، من خلال ضبط اللغة الذي مارسه مقدم البرنامج ومعده عمّار تقي، بدأ يستعيد بعض المساحة التي فقدتها الصحافة الكويتية وإن في إطار نسبي، وفي الوقت ذاته استثمر منصة التيوب التي تجتذب ملايين المشاهدين. ففي حالة د. عبدالله النفيسي، استطاعت القبس أن تحول خطابه الجذاب إلى محطة استقطاب من داخل البيت الكويتي نفسه، في حين كان سابقاً يطرح رؤاه في منابر محدودة وسط حساسيات شديدة تجاوزها البرنامج، وهي معادلة ذات أبعاد سياسية أخرى لسنا في وارد الحديث عنها اليوم.
هذه المرة كان الصندوق الأسود في ضيافة السياسي العراقي المعروف فائق الشيخ علي، وهو شخصية بارزة في جدل المشهد العراقي، متداخلة في تاريخها السياسي، وانتمائها المذهبي والحقوقي منذ عهد الاستبداد لحزب البعث حتى الاحتلال الأميركي، وقد نعود لمطارحة بعض أرشيفه وآرائه المهمة، وهو اليوم من أبرز البرلمانيين الداعين للتحرر من هيمنة إيران، رغم ازدحام الموروث الطائفي لديه، ليس من خلال ليبراليته ونسبه لأسرته العلمية المهمة في النجف، ولكن وفقاً لحضور هذا البعد في حياته الشخصية، وتأثيره على بصمة خطابه، الذي لا يُقلل من شهادته على تاريخ العراق الحديث.
أما موضوع المقال الرئيس، فهو تركيز الصندوق الأسود، في ذاكرة فائق الشيخ علي، وفي المقاطع المستدعاة للزعماء العراقيين، على إشكالية علاقة العراق بالكويت، من خلال القضية التي بُني عليها الغزو على الأقل وفقاً للآلة الدعائية لحزب البعث العراقي، لكن البرنامج وبوضوح تام يُركّز هنا من خلال فريقه ومؤسسته الكويتية على شواهد هذه القضية في الحياة السياسية للعراق، وأنها حاضرة في كل تاريخ العراق منذ الاستقلال، متجاوزة للانقسام السني الشيعي أو التعدد الحزبي، فضلاً عن إشارات فائق الشيخ نفسه في قضية التداخل بين العراق والكويت، وكأنما أراد الصندوق الأسود أن يقول إن هذه القضية لا تزال لم تُحسم داخل الضمير الوطني العراقي، ولا تزال تمثل خطراً على الكويت، مستذكرين رسائل التهديد التي وصلت من ميلشيات طائفية في جنوب العراق خلال التوترات الداخلية العراقية.
وبالذات حين عرض الصندوق الأسود على هامش ذاكرة فائق الشيخ علي مقطعا من لقاء تليفزيوني للرئيس العراقي الأسبق عبد الرحمن عارف، أكد فيه مزاعم الدولة العراقية بتبعية الكويت للعراق، واستثمار الإنجليز لهذا الملف، وهذا يعني أن القضية لم تكن مرتبطة بعهد الرئيس السابق صدام حسين، ولا بحكم حزب البعث المستبد.
ولكن يُستدرك هنا بأن مفهوم الخلاف على الحدود وانتماء الإقليم لدول أخرى أمر متكرر آسيوياً وعالمياً، لكن الكارثة في الخطوة المجنونة في غزو الكويت التي كانت ارتداداتها مروعة على العراق وأهله، وليس الدولة والشعب الكويتي فقط.
المهم هنا هو أن قرار القبس وضع المجهر على جذور هذه القضية، قرار جريء وإيجابي، لكن الأهم هو كيف يُكيّف الحل الضامن، لتحييد هذا التوجه وزراعة أرضية تَفَهُّم لدى البيت العراقي، تفصل بين التاريخ الاجتماعي والجغرافيا السياسية وبين واقع الشعوب العربية اليوم وما آلت إليه، والأمرُ الآخر هو هل تحتاج الكويت إلى تعريف جديد لرابطتها الإقليمية العربية مختلفة عن الرواية العراقية دون نزاع أو صراع شرس وأين هذه الرواية الأخرى؟
للحديث بقية