+ A
A -
من الحكايا الأوروبية الشعبية أن إوزَّةً رأت حصاناً، فقالت له باستعلاء: أنا أفضل منك، فكل قدراتك محصورة في بيئة واحدة، أما أنا فمتعددة المواهب، أستطيع أن أمشي على الأرض مثلك، ولي جناحان أستطيع بهما أن أطير، كذلك أنا أسبح في الماء، أرأيتَ كم أنا فريدة وكم أنتَ ضئيل ومحدود؟!
فقال لها الحصان: صحيح أنك تسكنين في ثلاث بيئات مختلفة، ولكنك لا تبرزين بشكل مميز في أيّ منها! أنتِ تطيرين ولكن طيرانك ثقيل جداً وبلا رشاقة، فلا يحقُّ لكِ أن تضعي نفسكِ في مرتبةِ الطيور!
وتستطيعين أن تسبحي على سطح المياه ولكنك عاجزة عن العيشِ فيها كالأسماك، ولا تُحسنين تحصيل طعامك هناك! حتى حين تمشين على الأرضِ بهذه الأقدام العريضة تبدين مُثيرةً للضحك!
أما أنا فإن كانتْ اليابسة بيئتي، فإني جميل في شكلي، قوي في بُنيتي، رشيق في حركتي، مذهل في سرعتي، وإنِّي أُفضّل أن أبقى محصوراً في مكان واحد، أنالُ فيه الإعجاب، على أن أكون إوزَّة مُضحكة في كُلِّ مكان!
على المرء أن يبحث له عن مجال واحد في الحياة يكون ضليعاً فيه، لأنه خير للمرء أن يكون خبيراً في موضوع واحد من أن يكون مُطَّلِعاً على عشرة مواضيع!
تشتيت القدرات سيجعل من الإنسان مُلِمَّاً، أما حصرها في مجال واحد سيصنعُ منه خبيراً، ونحن نعيش في زمن الخبرة تُساوي وزنها ذهباً!
برأيي أن يحمل الإنسان «الماجستير» في تخصص معيّن خير من أن يحملَ أكثر من «بكالوريوس» في أكثر من تخصص، وأن يحمل درجة دكتوراة فيه أفضل من أن يحصل على شهادتي «ماجستير» كل في تخصص، أميل إلى أن يمضي الإنسان كالسهم صعوداً إلى الأمام، لا أن يكون أفقياً متشعّباً، لأنه بهذا سيكسب مساحة، ولكنه سيخسر مسافة!
كان خالد بن الوليد عسكرياً فذاً، بينما كان حسَّان بن ثابت شاعراً عبقرياً، وعندما كان أُبي بن كعب أقرأ الصحابة لكتاب الله، كان معاذ بن جبل أعلمهم بالحلال والحرام!
هذه الدنيا اختصاص بالدرجة الأولى، وهؤلاء تخلَّدوا لأنهم بجانب صدقهم مع الله كانوا أهل اختصاص في مجالاتهم!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
04/01/2022
1496