مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل-
مدير المركز الكنديللاستشارات الفكرية يثير الجدل العاصف بين أركان المعارضة العراقية السابقة، التي أضحت في الحكم، وبينها وبين البنية السياسية القديمة في العراق، قبل وبعد حكم الرئيس صدام حسين وتاريخه الدموي، الإشكالية العميقة في تأثير عدم استقرار العراق السياسي، والتي سردها فائق الشيخ علي في الصندوق الأسود.
ومن هذه الزاوية نعود إلى علاقة الكويت بالجغرافيا التاريخية، والجغرافيا السياسية التي ترهن حدودها الشمالية بالعراق، والعراق لايزال يعيش هذ البركان، وهنا نستحضر الدافع الذي حمل الكويتيين في مؤتمر جدة، على الوقوف لإعادة دولتهم، حتى عجز النظام العراقي عن توظيف التيار القومي وبالذات البعث الكويتي لصالح الغزو، والحقيقة بأن الفارق كان هامش الكويت الديمقراطي، رغم كل الملاحظات والانتكاسات التي عصفت به.
هذه الروح الديمقراطية النسبية لعبت دوراً كبيراً، في إيمان الشعب الكويتي بعودة الكويت الدولة والشعب، ومرجعية حكم آل الصباح، وكان التوافق الوطني شاملاً، بسبب وجود قناعة لأثر هذه المساحة الديمقراطية، وارتدادها لصالح صمود الدولة، في ظل صراعات إقليمية كبرى لا تقف عند إيران ولكنها امتدت إلى داخل البيت الخليجي.
وبالتالي تحرير مسألة الحدود القومية والمرجعية التاريخية للكويت، مهم جداً اليوم في ظل وجود تفسير مختلف للجغرافيا التاريخية للكويت.
فمسألة مظلة العراق الإدارية في عهد الدولة العثمانية، لا يُفسّر بالضرورة كمرجعية تاريخية ملزمة للأقاليم الصغرى، أو الأصغر، فالكويت أقرب لإقليم الخليج العربي الذي كان يتخذ عدة مسميات، وتسمية الكويت بذاتها قد تندرج تحت تسمية حكم بني خالد للأحساء، وعاصمتهم في كوت الأحساء، وإن كان هذا الأمر لا يمثل دليلاً حاسماً لأي من الرأيين، لكن الأحساء كانت المتصرفية التي تشمل ساحل الخليج، وقد ربطت بولاية البصرة ثم سنجق العراق، باستثناء عُمان وساحلها في ذلك الزمن.
ومن الطبيعي أنها ترتبط بالوحدة الإدارية الأقرب لها في تسلسل الولايات العثمانية، من حيث القرب من المركز أي الأستانة، وقد كانت الكويت ضمن هذه الجغرافيا، ونلاحظ هنا أن البصرة بذاتها كانت ضمن النفوذ السياسي والعسكري لدولة بني جبر العقيليين في الاحساء، وهناك دراسات تناولت هذا النفوذ في جامعة البصرة، وهو ما يعني أن البصرة وجنوبها، كانت امتداداً طبيعياً لساحل الخليج العربي، كما أنها كانت امتداداً لبقية العراق، لكنني أرى أن رابط الكويت بساحل الخليج الذي مثلته حينها الاحساء هو الأقرب، حتى في تفاصيل الانتقال الديمغرافي، وحكم المشيخات العشائري الذي أسست عليه الدول الحديثة.
وبالتالي فإن اعتبار الكويت مقتطعة من العراق لصالح الإنجليز، لا قاعدة صلبة له، كما أن تفسير الإيالات والولايات في الدولة العثمانية، وكأنها أجسام جغرافية وديمغرافية متحدة، في تاريخ الأرض والشعوب، خطأٌ بالغ حين يُقدم كحتمية تاريخية.
وهنا يطرح السؤال الكبير، وهو أن سياسة المستعمر المؤكدة في الأرض العربية، كانت تقوم على منهجية التفتيت وهذا صحيح، لكن لا يترتب عليه وضع مسطرة توحيد قهرية سياسياً أو فكرياً بناء عليه، فمع تثبيت حاجة الأمة العربية للوحدة، فإن نموذج الوحدة القهرية لم تأت بخير، وكان الحل الأفضل، هو تحويل هذه الأقطار إلى نماذج تحالف وتعاون سياسي واقتصادي، وتحقيق المشاركة الشعبية في كل منها، وهو المشروع التائه منذ عقود.
ويبرز هنا أيضاً اعتراض ديني على تشريع إطار الدولة الحديثة، كبديل لولايات المسلمين، التي كانت تتمثل بها الأقطار العربية، منذ العهد الأموي، وهذه المسألة فكرياً تمثل جانباً حضارياً وأنسنة ديمغرافية، أمام صلف الوطنية (باسم العصبوية السياسية) التي تلتف لصالح النظام، في الدولة القُطرية الحديثة، وهو اليوم يُستدعى في الفكر الإسلامي من جديد، بسبب نظرية نقد الدولة القُطرية، كمشروع فكرة غربي حداثي ألزمت به المنطقة العربية.
وهذا أيضا لا يمكن أن يُراهن عليه ويُفتح الباب أمامه بلا حدود، ففكرة الولايات المسلمة المتحدة التي طرحها المفكرون الإسلاميون المحافظون، وبالذات الشيخ سعيد حوى في آخر كتبه، هذه تجربتي وهذه شهادتي، أقرت إشكالية التوحيد القسري، وكارثيته على الشعوب، وطرح بالمقابل مشروع قيام هذه الولايات باستقلال وببرلمان منتخب، يتحالف فيه برلمان موسع كالاتحاد الأوروبي.
وخلاصة الأمر اليوم هو أننا نحتاج في العراق وفي الكويت، وفي النماذج المشابهة في الخليج العربي، إلى تحويل الوحدة إلى مشروع اتحادي نوعي لا دمجي في سيادته، يكون لصالح الشعوب وقوة الأقاليم العربية المستقلة، وليس مساحات مشاعة تضاف لصالح سوط هذا النظام العربي أو ذاك.
باحث عربي مستقل-
مدير المركز الكنديللاستشارات الفكرية يثير الجدل العاصف بين أركان المعارضة العراقية السابقة، التي أضحت في الحكم، وبينها وبين البنية السياسية القديمة في العراق، قبل وبعد حكم الرئيس صدام حسين وتاريخه الدموي، الإشكالية العميقة في تأثير عدم استقرار العراق السياسي، والتي سردها فائق الشيخ علي في الصندوق الأسود.
ومن هذه الزاوية نعود إلى علاقة الكويت بالجغرافيا التاريخية، والجغرافيا السياسية التي ترهن حدودها الشمالية بالعراق، والعراق لايزال يعيش هذ البركان، وهنا نستحضر الدافع الذي حمل الكويتيين في مؤتمر جدة، على الوقوف لإعادة دولتهم، حتى عجز النظام العراقي عن توظيف التيار القومي وبالذات البعث الكويتي لصالح الغزو، والحقيقة بأن الفارق كان هامش الكويت الديمقراطي، رغم كل الملاحظات والانتكاسات التي عصفت به.
هذه الروح الديمقراطية النسبية لعبت دوراً كبيراً، في إيمان الشعب الكويتي بعودة الكويت الدولة والشعب، ومرجعية حكم آل الصباح، وكان التوافق الوطني شاملاً، بسبب وجود قناعة لأثر هذه المساحة الديمقراطية، وارتدادها لصالح صمود الدولة، في ظل صراعات إقليمية كبرى لا تقف عند إيران ولكنها امتدت إلى داخل البيت الخليجي.
وبالتالي تحرير مسألة الحدود القومية والمرجعية التاريخية للكويت، مهم جداً اليوم في ظل وجود تفسير مختلف للجغرافيا التاريخية للكويت.
فمسألة مظلة العراق الإدارية في عهد الدولة العثمانية، لا يُفسّر بالضرورة كمرجعية تاريخية ملزمة للأقاليم الصغرى، أو الأصغر، فالكويت أقرب لإقليم الخليج العربي الذي كان يتخذ عدة مسميات، وتسمية الكويت بذاتها قد تندرج تحت تسمية حكم بني خالد للأحساء، وعاصمتهم في كوت الأحساء، وإن كان هذا الأمر لا يمثل دليلاً حاسماً لأي من الرأيين، لكن الأحساء كانت المتصرفية التي تشمل ساحل الخليج، وقد ربطت بولاية البصرة ثم سنجق العراق، باستثناء عُمان وساحلها في ذلك الزمن.
ومن الطبيعي أنها ترتبط بالوحدة الإدارية الأقرب لها في تسلسل الولايات العثمانية، من حيث القرب من المركز أي الأستانة، وقد كانت الكويت ضمن هذه الجغرافيا، ونلاحظ هنا أن البصرة بذاتها كانت ضمن النفوذ السياسي والعسكري لدولة بني جبر العقيليين في الاحساء، وهناك دراسات تناولت هذا النفوذ في جامعة البصرة، وهو ما يعني أن البصرة وجنوبها، كانت امتداداً طبيعياً لساحل الخليج العربي، كما أنها كانت امتداداً لبقية العراق، لكنني أرى أن رابط الكويت بساحل الخليج الذي مثلته حينها الاحساء هو الأقرب، حتى في تفاصيل الانتقال الديمغرافي، وحكم المشيخات العشائري الذي أسست عليه الدول الحديثة.
وبالتالي فإن اعتبار الكويت مقتطعة من العراق لصالح الإنجليز، لا قاعدة صلبة له، كما أن تفسير الإيالات والولايات في الدولة العثمانية، وكأنها أجسام جغرافية وديمغرافية متحدة، في تاريخ الأرض والشعوب، خطأٌ بالغ حين يُقدم كحتمية تاريخية.
وهنا يطرح السؤال الكبير، وهو أن سياسة المستعمر المؤكدة في الأرض العربية، كانت تقوم على منهجية التفتيت وهذا صحيح، لكن لا يترتب عليه وضع مسطرة توحيد قهرية سياسياً أو فكرياً بناء عليه، فمع تثبيت حاجة الأمة العربية للوحدة، فإن نموذج الوحدة القهرية لم تأت بخير، وكان الحل الأفضل، هو تحويل هذه الأقطار إلى نماذج تحالف وتعاون سياسي واقتصادي، وتحقيق المشاركة الشعبية في كل منها، وهو المشروع التائه منذ عقود.
ويبرز هنا أيضاً اعتراض ديني على تشريع إطار الدولة الحديثة، كبديل لولايات المسلمين، التي كانت تتمثل بها الأقطار العربية، منذ العهد الأموي، وهذه المسألة فكرياً تمثل جانباً حضارياً وأنسنة ديمغرافية، أمام صلف الوطنية (باسم العصبوية السياسية) التي تلتف لصالح النظام، في الدولة القُطرية الحديثة، وهو اليوم يُستدعى في الفكر الإسلامي من جديد، بسبب نظرية نقد الدولة القُطرية، كمشروع فكرة غربي حداثي ألزمت به المنطقة العربية.
وهذا أيضا لا يمكن أن يُراهن عليه ويُفتح الباب أمامه بلا حدود، ففكرة الولايات المسلمة المتحدة التي طرحها المفكرون الإسلاميون المحافظون، وبالذات الشيخ سعيد حوى في آخر كتبه، هذه تجربتي وهذه شهادتي، أقرت إشكالية التوحيد القسري، وكارثيته على الشعوب، وطرح بالمقابل مشروع قيام هذه الولايات باستقلال وببرلمان منتخب، يتحالف فيه برلمان موسع كالاتحاد الأوروبي.
وخلاصة الأمر اليوم هو أننا نحتاج في العراق وفي الكويت، وفي النماذج المشابهة في الخليج العربي، إلى تحويل الوحدة إلى مشروع اتحادي نوعي لا دمجي في سيادته، يكون لصالح الشعوب وقوة الأقاليم العربية المستقلة، وليس مساحات مشاعة تضاف لصالح سوط هذا النظام العربي أو ذاك.