مصطلح «الدائرة المفرغة» أو الحلقة المفرغة تعني الدوران في نفس الاتجاه ثم العودة إلى نقطة البداية ثم الانطلاق من جديد في رحلة عبثية لا نهاية لها وهو الأمر الذي قد ينسحب على حال المنطقة العربية في صراعها مع الاستبداد منذ عقود طويلة، لكن يبدو أن هذا المسار يشهد آخر أطواره بعد التغيرات الكبيرة التي عرفتها البلاد العربية خلال العقد الأخير من تاريخها.
لا تعني هذه الفرضية التحليلية أن الأمة تتجه نحو الانعتاق أو نحو مزيد التأزم فهذا ضرب من التنجيم لكنها تؤشّر على نهاية منطق سياسي سائد وبداية تشكّل منطق جديد، يستبطن هذا القول أن النظام العربي قد استوفى شروط وجوده وأنه أصبح غير قادر على المواصلة وعلى حكم المنطقة بالقدرة التي كانت له خلال العقود السابقة.
يستمدّ هذا الكلامُ وجاهتَه النظرية من عدّة مؤشرات أوّلها الثورات التي عرفتها دول المنطقة وتمدّد مطالب التغيير السياسي في أكثر من بلد والتي لن تتوقف. تضاف إلى ذلك التغيرات العالمية وعلى رأسها صعود الصين وعودة روسيا إلى المنافسة على موارد الطاقة والموانئ وطرق التجارة العالمية وهو ما سيفرض على المنطقة العربية تغيرات جذرية. من المؤشرات الأخرى التي تبشر بنهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة هي عجز النظام الرسمي العربي عن الصمود أمام المطالب الشعبية لوحده بل صار في حاجة إلى التدخل الخارجي الذي يكون عسكريا مباشرا في كثير من الحالات كما هو الأمر في سوريا والعراق واليمن وليبيا.
إنّ أخطر ما أكدته السنوات الأخيرة من عمر المنطقة هو أنها تنزلق تدريجيا نحو التدخلات الخارجية المباشرة في مشرق المنطقة ومغربها بعد عجز النظام القائم عن تأمين القدرة على إدارة المنطقة بنفسه، إن عجز الحكومات العربية وحالة الشلل التي أصيبت بها منظمات العمل المشترك مثل جامعة الدول أو اتحاد المغرب العربي كلها مؤشرات إضافية على أن النظام الرسمي بشكله القديم قد انتهى أو أنه يعيش آخر أيامه.
بناء على ما تقدّم فإنه لم يبق أمام المنطقة قادة وشعوبا ونخبا إلا العمل على تجاوز كل العوائق التي تحول دون البحث عن مخرج مشترك قادر على إنقاذها من السقوط في شكل جديد من أشكال الاحتلال المباشر، لم تعد المسألة مسألة خيار أو ترف سياسي بل هي اليوم مسألة وجود أمام الأخطار المحدقة بالمنطقة وشعوبها والتي لن تستثني أحدا لا سمح الله.
بقلم: محمد هنيد