بعدما نشرت قصة الأمير خالد الشهابي، الذي ترأس الوزارة في لبنان قبل وبعد الاستقلال، وحمل أكثر من حقيبة وزارية.. ومات فقيرا.. وهو الثري صاحب بيارات البرتقال في يافا - فلسطين وعرضت عليه صفقات بملايين الدولارات إلا أنه رفض وقال مقولته «يقولوا جاع وما باع» أفضل ما يقولوا خان فلسطين.
بعدما نشرت حكاية هذا الوزير الشريف جاءتني من الزميل الدكتور نوزاد الهيتي حكاية وزيرين عراقيين شريفين، هما محمد حديد والد المبدعة المعمارية زها حديد التي قدمت لقطر استاد الجنوب المونديالي بالوكرة.. وعبد الجبار الجومرد، فبعد قيام انقلاب 1958، وبداية العهد الجمهوري الجديد بزعامة عبد الكريم قاسم.. تم تعيين عبد الجبار جومرد وزيرا للخارجية.. ومحمد حديد وزيرا للمالية..
الاثنان كانا من محافظة نينوى..
عبد الجبار لم يكن سياسيا فحسب، بل كان رياضيا وفنانا وشاعرا وكاتبا.. أما محمد حديد فكان خبيرا بشؤون الصناعة والتنمية، وهو واحد من أبرز الاقتصاديين العراقيين آنذاك.. أكمل دراسته في مدرسة لندن العريقة للاقتصاد والعلوم السياسية.. وتأثر بأعمال سيدني ويبو وهيو دالتون، وغيرهم من الاقتصاديين الذين كانت أفكارهم تبشر بنظام اجتماعي متكامل من حيث الرقي والعدالة والرفاهية.
بعد تسلم الوزيرين مهامهما.. واجهتهما مشكلة غريبة جدا.. مشكلة لا يمكن أن تواجه حتى راعي الشاي (الجايجي) وهي عدم توفر سكن للوزيرين.. وزيران بهذا العلم وبهذه الكفاءة المهنية، توليا حقيبتي أخطر وزارتين بالدولة لا يمتلكان مكانا للإقامة في بغداد الأمر الذي اضطرهما لتأجير غرفة، في فندق متواضع كان يسمى فندق جبهة النهر، قرب جسر الأحرار.. في صباح أحد الأيام، زارهما صديقهما فاروق.. وكان زميل دراسة في الثانوية.. فوجدهما منهمكين بتحضير الإفطار بأيديهم، الذي كان عبارة عن إبريق شاي وخبزة وماعون لبن.. فقال لهم.. أنتما اليوم أصبحتما وزيرين.. ولستما من عامة الناس.. ألا يحق لكما أن تسكنا قصرا من قصور بغداد، يطل على نهر دجلة..
عندها نظر إليه الاثنان معا بابتسامة شرف، وأجاباه بصوت واحد.. لقد جئنا لنخدم، لا لنحکم..
رحمهما الله.. هناك الكثير من الوزراء الشرفاء لكن اليد الواحدة لا تصفق!!!
بقلم: سمير البرغوثي