+ A
A -


وُسوم آسِرَة ودبدبات ساحِرَة لا تُبارِحُ صوتا مثل صوته الحالِم..
صوته الحالم يحملك على ظهر فُلْكٍ يتهادى على أمواج إيقاعه الرقيق الهادئ الدافئ..
إيقاعُه الرقيق الهادئ الدافئ تطرب له نفسُك وتشغفُ به روحُك وينحني له إجلالاً وجدانُك ويُصَفِّقُ له قلبُك..
فمع مَنْ يضربُ لنا العشقُ موعداً؟
لن تصدقوا!
موعدُنا مع قيتارة الرومانسية الفرنسية، وأنامل صوته السحرية، تلك الأنامل التي يَكتبُ بها قصيدةَ عشقٍ طويلة، قصيدة عشق لمعشوقة معبودة تسمى الأغنية في زمن الرومانسية..
يَليقُ بك انتظارُه، وتَليق به محبَّتُك.. يَطيبُ له أن يرتقي بك إلى معارج الرقي الفني، ويطيبُ لك أن تقتفي أثرَه وتُلازِمَ ظِلَّه..
في وسعك يقينا أن تصفه بأنه فارسُ الأغنية الغربية في الزمن الجميل، الزمن الجميل الذي لا يتسامح إذا أنتَ أَسْقَطْتَه من حقيبة الوقت الراهن ومن ملفِّ الذاكرةِ العاشقةِ لكل جميلٍ وبديعِ الصّنعِ..
عبقري هو بصوته، فنان بإحساسه، مشرق بإطلالته، مُضيء متوهِّج مشعّ زاهٍ باهٍ فتّان كَحُلمِ ليلةِ صيفٍ، حُلم دافئ يزدان به موكبُ ليلٍ لا يأفل فيه نجمُ إحساسِه المرهف..
إنه ليس سوى جُو داسان لمن لا يعرفُه..
جو داسان JOE DASSIN مَلِكُ الإحساسِ صَبُوحُ الوجهِ بهيُّ الطَّلْعةِ..
جو داسان الرَّجُلُ الذي أشرقَتْ شمسُه في سماء الفنّ الفرنسي، واستطاع بذكاءٍ أن ينقلَك بحِسِّه الجميل من غُصن إلى غُصن على امتداد شجرة الفنّ العتيقة المتجدِّدَة الخضرة والبهاء على مدار الوقت والزاهية الأوراق والبديعة التفاصيل منذ بداية التكوين الفني وصناعةِ الذوق..
هل يليق بالواحد منّا أن يَذكُرَ الأغنيةَ الفرنسيةَ ويُسْقِط اسما بحجم اسم جو داسان؟!
هل يليق بالواحد منا أن يثورَ على ذاكرته الفنية بثورته على تاريخ روائع جو داسان؟!
جو داسان الشمعةُ المتوهِّجة في ليلِ الإحساسِ الصادقِ والكلمة الرقيقة التي تتسلَّل إلى أعماقك دون مقدمات ودون مماطلة على مَرّ الأزمنة وإلى أن تَسْقُطَ الورقةُ الأخيرةُ في حياتنا على هذا الكوكب النابض بحِسّ من أبدعوا وأجادوا وتفنَّنوا وأبهروا..
شمعةُ جو داسان مازالت مشتعلةً لِتُبدِّدَ الكثيرَ من الظلام الذي يكتفي الواحدُ غالبا بأن يَلعنَه، كيف لا يلعنُه الواحدُ في ظل عجزه عن تسليط بعض الضوء..
لكن عن أي ضوء نتحدث؟!
وما علاقة جو داسان بالمرامي التي يصبّ فيها هذا المعنى؟!
قلنا إن جو داسان هو بمثابة شمعة.. وإذا اتفقنا على أنه شمعة فإن المطلوبَ منه والمنتظَر بطبيعة الحال هو إزالةُ تكدّسات الظلام ولو في حدودٍ ضيقةٍ.
فهل هذا تحديدا ما فعلَه الرَّجُلُ (جو داسان)؟
يقينا فعل جو داسان هذا وأكثر.
فما دليلُنا؟
لا يختلف اثنان في أن جو داسان مثَّلَ لنا وفي كلّ الأزمان ذلك الإنسان الذي يتصبَّبُ عشقاً لكل ما هو جميل ورقيق ومضيء.
بالتالي؟
بالتالي شكَّل فَنُّ جو داسان البديلَ لما كان، لِنَقُلْ إنه شكَّل الْمُعادِلَ للشمعة التي يُذيبُ توهُّجُها مكعَّباتِ ليلِ السَّائدِ والْمُتاحِ والممكن في مجال الفنّ.
المؤكد أن مجالَ الفن لا يُرْضي دائما حكمةَ الأذن الذَّوَّاقة. وأكثر من كونها ذوَّاقة فإن هذه الأذن توَّاقة، إنها تواقة إلى معانقة الكلمات الأرقّ من الرقّة، تلك الكلمات التي تُصيبُ هذه الأذن بضربةِ عشقٍ من أول سماع، عشق يضاهي حُبّاً من أول نظرة.
لقد كان جو داسان ذكيا عندما قَدَّرَ احتياجات الأذن، هذه الأذن التي تترفّع عن أن تؤدي وظيفةَ المتفرِّج السلبي.
ففي ماذا فَكَّرَ جو داسان؟
فَكَّرَ في أن يُحْسِنَ الإصغاءَ والانتقاءَ إلى أن يُقْنِعَ باختياراته الموسيقية الأذنَ التي يتوجه إليها.
الأذنُ مثل القلب تماما.. الأذنُ تحتاج إلى ما ترتاح لسماعه، تحتاج الأذنُ إلى ما تبتهج بجواره وتنعم بأن تسكن إليه..
ولا غرابة أن تَتُوقَ الأذنُ إلى ما تذوبُ هي ذوباناً عند احتضانه ومعانقته في صورة قوالب فنية موسيقية بما فيها من المعاني، تلك المعاني الباذخة الحِسّ الطربي التي تتألّقُ بتألُّقِ الحرفِ والقالب الموسيقي والذَّوْقِ الذي تنصهرُ فيه انصهارا لِتُجَدِّدَ كينونتَها.
على هذه الشاكلة فقط يَتَسَنَّى لِتَوْءَم المبنى والمعنى العبورُ والاختراقُ: عبورُ مسالكِ الروح الهائمة في عشقه، واختراقُ القلبِ الواله الذي يختلجُ اختلاجاً كلّما داعبه نسيمُ الأغنيةِ المنفلتة من أَسْرِ التكرار والباحثة عن انعتاقٍ من جبروت الذَّوق التَّليد.
الانعتاقُ ذاك يوازي الرغبةَ المتفجرةَ عند رصيف الشوق، تلك رغبة الأذن في قَطْفِ بلحِ نخلةِ الكمالِ الفني الذي يزهو به عُشّاقُ الفنِّ ويصبو إليه صُنَّاعُه ومُريدوه.
جو داسان صوت لا يجود به الزمن في كل وقت وحين.
اِصعدْ أنتَ سُلَّمَ الفنّ وارتقِ أدراجَه كما شئتَ، لكن ليس من السهولة أن تُطِلَّ من شرفات الأصوات المتاحة فنيا على نموذج يُضاهي روعةَ صوتِ جو داسان هدوءا واتزانا وغواية وحِكمة وحِلْما وأناقة ورشاقة ورزانة وما إلى ذلك..
عَبْرَ أوتارِ حنجرةِ جو داسان تُسافِرُ أنتَ الْمُريد المتآكلُ تحت نير الحنين، تسافر، تُسافرُ وتُبْحِرُ وتُحَلِّقُ وتنتشي بقدر ما تَأْكُلُ من تفاحةِ الحُبِّ الْمُسْكِرَةِ، تفاحة الحُبّ التي اختزلتْ جو داسان في قطعة غنائية واحدة، قطعة يُبَجِّلُ فيها جو داسان مَقامَ الأغنية الراقية.
مَاتَ جو داسان ولم تَمُتِ الْأغنيةُ.. غابَ تاريخ فني ولم تَغِبِ الْأغنيةُ.. شاختْ وهرمتْ رموز فنية وتوجهات وأدوات وفنيات ولم تشخْ ولم تهرمِ الْأغنيةُ..
اِسْمَحْ لنفسك بشيء من التسامي الأخَّاذِ ودُلَّهَا (نفسك) على العشق المسافر في الأزمنة والأمكنة «لَوْ لَمْ تَكُونِي مَوْجُودَة»:
«ET SI TU N›EXISTAIS PAS»
(JOE DASSIN)
لِنتأمَّلْ تَدَفُّقَ العاطفةِ عَبْرَ مَسارِبِ الكَوْنِ الرومانسي الذي يحملنا إليه جو داسان في واحدةٍ من أجمل قِطَعِهِ الفنية الخالدة: «لو لم تكوني موجودة».
ولنا أن نقف عند جانبٍ من جمال وسحر الكلمات، الكلمات هذه التي فصَّل منها جو داسان عباءةَ مجدِه الذي استدرج عُشَّاقَ الرومانسية إلى شاطئه، شاطئ الحُبّ والمشاعر الجيَّاشة التي يفيض منها الحنينُ الرَّقْرَاقُ:
لو لم تكوني موجودة
ET SI TU N›EXISTAIS PAS
لو لم تكوني موجودة
ET SI TU N›EXISTAIS PAS
قولي لي لماذا كنتُ سَأُوجَدُ أنا؟
DIS-MOI POURQUOI J›EXISTERAIS
لكي أعبر عالَماً دونك
POUR TRAINER DANS UN MONDE SANS TOI
دون أمل ودون ندم
SANS ESPOIR ET SANS REGRET
لو لم تكوني موجودة
ET SI TU N›EXISTAIS PAS
لَحاوَلْتُ أن أخترعَ الحُبَّ
J›ESSAIERAIS D›INVENTER L›AMOUR
مثل رسَّامٍ يرى من تحت أصابعه
CO
copy short url   نسخ
16/07/2016
2412