يروي «الداغستانيون» في حكاياهم الشعبية، أنّ هرا قد تسلّط على قرية الفئران، وكان كلّ يوم يقتل منهم أكثر من عشرة، حتى كادت الفئران تفنى على يديه!
واستغلّ الفئران جلوس الهر مع حبيبته الهرة، وعقدوا اجتماعا فيما بينهم، علّهم يجدون حلا للمشكلة، عندها قام فأر كبير في السن، تلقّبه الفئران بالحكيم، وقال لهم: إن الهر دوما يباغتنا، لهذا هو يملك عنصر المفاجأة، الحل الوحيد أن نعرف الوقت الذي سيهاجم فيه، وقد وجدت طريقة لذلك!
قالت الفئران بصوت واحد: ما الحل أيّها الحكيم؟
قال لهم: هذا جرس مربوط بحبل، لا نحتاج أكثر من أن يضعه أحدكم حول رقبته عندما ينام، فإذا قام أصدر الجرس صوتا فنعرف من قرع الجرس متى يصير في ناحيتنا!
أعجبت الفئران بخطة الحكيم، وبقي أمامها التنفيذ!
وكلما نظر الحكيم إلى فأر يريد أن يكلفه بهذه المهمة، وجد عنده عذرا!
قال فأر: أنا بطيء في الركض وسيأكلني الهر لا شك!
وقال آخر: أنا نظري ضعيف ولا أستطيع عقد الحبل حول عنق الهر!
وقال ثالث: أنا مريض جدا!
وهكذا بقيت الخطة قيد التنفيد حتى أفنى الهر قرية الفئران!
قالوا قديما: هدف بدون خطة هو مجرد أمنية!
وأقول: خطة بدون شجاعة التنفيذ هي بناية على الورق لا تصلح للسكن، ورسمة لمركب لا يصلح للإبحار!
نحن لا ينقصنا الخطة في الغالب، كلنا يعرف ما الذي عليه أن يفعله، ولكننا لا نفعله، لهذا نبقى في أماكننا، كالجالس على كرسي هزاز، يتحرك ولا يسير!
نخاصم صديقا، ثم نتذكر أيامنا الحلوة معه، تزورنا ذكرياتنا الحلوة، فنمشي خطوة إلى الأمام ويرجعنا الكبرياء خطوتين إلى الوراء، وكلما طال الوقت زادت الجفوة، تبا للكبرياء، أقدموا!
يحصل بين أخ وأخيه جفاء على شيء من الدنيا، والدنيا كلها لا تستحق، فلا هذا يبادر ولا ذاك، ثم إذا مات أحدهما بكاه الآخر، ووقف يتقبل به العزاء، ما نفع الدموع بعد فوات الأوان، إن وردة نضعها في يد حي أفضل من باقة نضعها على قبر ميت!
الحياة تحتاج إلى جرأة، والنفس تحتاج إلى تأديب وإلى من يحملها على الحق حملا، نفوسنا تشبه الأطفال، إن تركناهم لأمزجتهم لأمضوا الحياة في اللعب، وإن أخذنا على أيديهم وأدّبناهم بنينا لهم مستقبلا حلوا، أو على الأقل صنعنا إنسانا صالحا، فتحلّوا بالشجاعة!
بقلم: أدهم شرقاوي