حمد حسن التميمي
الكل يطمح إلى النجاح والتفوق على أقرانه والوصول إلى أعلى المراتب. البعض يبذلون قصارى جهدهم ويكافحون في سبيل أحلامهم الكبيرة إلى أن يبلغوا مقصدهم في النهاية، وآخرون لا يفعلون شيئاً سوى الاسترخاء والانتظار في طابور طويل، علّ دورهم لدخول سينما الحظ السعيد يأتي ولو بعد حين.
ربما نلوم الصنف الثاني من الناس، لكننا لو دققنا النظر جيداً، لوجدنا أن المجتمع والأسرة ساهما بشكل كبير في تشويه صورة النجاح في أذهان الأطفال منذ نعومة أظفارهم، فأقنعونا ونحن صغار بأن الفرص تأتي بمحض الصدفة، وأن الأغنياء ورواد الأعمال والمبدعين لم يصلوا إلى ما حققوه، إلا بفضل فرصة عابرة أو حظ سعيد نقلهم من حال إلى حال.
لهذا، فكثير من الأشخاص يشعرون بأنهم تعساء الحظ، وكأن الكون بأسره يتآمر ضدهم ويمنعهم من تحقيق أحلامهم، وكأن الفرص حزمت حقائبها وغادرت حياتهم بلا رجعة، أو لربما لم يحن الوقت بعد ليطرق الحظ السعيد بابهم، ذاك الضيف الانتقائي الذي يختار من يزورهم بشكل عشوائي أو حسب تاريخ ميلادهم وبرجهم أو تبعاً للعائلة التي نشئوا فيها، فينتقي غالباً أبناء الأثرياء والطبقات الراقية، في حين يعزف عن زيارة أبناء الطبقات الأدنى.
وعلى هذا المنوال يكبر كثير من الأطفال وفي أذهانهم اعتقاد بأن كل ما عليهم فعله هو انتظار الفرصة المناسبة التي يجب أن تأتيهم صدفة وتغير مجرى حياتهم دون فعل شيء، فيكون هذا الاعتقاد سبباً في إخفاقهم المستمر وخيبة أملهم المتواصلة.
فهل تظن حقّاً أن الجلوس في مكانك دون حراك، وإضاعة وقتك على أشياء لا تقدم ولا تؤخر، ولوم الناس والظروف من حولك، وانتظار صدفة عابرة يمكن أن يغير حياتك بالفعل! لا بد أنك جربت لأيام وأسابيع وربما لسنين طويلة هذه الاستراتيجية العقيمة، ولم تحصل على شيء لقاء انتظارك الطويل، كما حصل مع ملايين الناس حول العالم.
لا يوجد شيء اسمه حظ جيد وفرصة ذهبية تأتي صدفة من دون استعداد وآذان مرهفة، لذلك قيل إن الحظ السعيد هو الاستعداد المرهف لسماع تلك الطرقات التي تدق بابك بلطف شديد، فلا تسمعها إلا إذا كنت على أهبة الاستعداد.
نحن من نخلق الفرص بأنفسنا، بجهدنا المنتظم وسعينا الدؤوب، وتحدينا للصعاب والعراقيل وصولاً إلى الهدف المنشود. فعلى سبيل المثال، موظف مجتهد في إحدى الشركات يتقاضى راتباً متواضعاً لكنه يعمل ليل نهار على إثبات جدارته واكتساب المزيد من الخبرات والمهارات، حيث يقضي كل يوم ساعتين في تعلم شيء جديد، بينما يقضي رفاقه ساعات فراغهم في الدردشة على وسائل التواصل الاجتماعي والاجتماع بالأصدقاء ومشاهدة الأفلام والمسلسلات أو غير ذلك من أنشطة ترفيهية.. إلى أن يأتي يوم تقوم فيه الإدارة العليا بتقييم شامل لأداء الموظفين لديها بعد أن أصبح هناك شاغر لشغل منصب إداري، لتجد من بينهم موظفاً واحداً يستحق ذاك المنصب، ألا وهو الموظف الذي أعد نفسه كل يوم لهذه الفرصة الذهبية التي لم يكن ليحظى بها صدفة، بل بفضل كفاحه المتواصل.
يحكي فيلم «The pursuit of Happiness» (السعي خلف السعادة)، قصة «كريس غاردنر» الذي صرف مدخرات حياته في شراء ماسحات ضوئية لقياس كثافة العظام، ظنّاً منه أنها ستكون مطلوبة للغاية وسيجني بفضلها ثروة، ليكتشف فيما بعد أنها أغلى بكثير من أجهزة الأشعة السينية لذلك لا يرغبها معظم الأطباء، رغم أنها تنتج صورة أفضل، فيدخل في ضائقة مالية تؤدي إلى تخلي زوجته عنه.
لكن الشاب الطموح ورغم أن زوجته لم تؤمن به ولا بقدرته على النجاح، وكانت تعتبره صاحب حظ تعيس وبأنها تعيسة الحظ لأنها تزوجت رجلاً كُتب له أن يبقى فقيراً مدى الحياة، آمن بنفسه وبأن الفرص لا تأتى جزافاً، وإنما تكون من نصيب من يعمل باجتهاد، فتمكن بعد جهد جهيد من الحصول على موافقة للتدرب مدة 6 أشهر من دون راتب أو وعد بالتوظيف في شركة مرموقة للبورصة، وهو لا يجد مالاً أو مأوى مناسباً له ولابنه الصغير، حتى اضطر للسكن في دور الرعاية طيلة فترة تدريبه.
لكن رغم كل المعوقات والعراقيل والنفق المظلم الطويل الذي اضطر لخوضه، بقي «كريس غاردنر» مؤمناً بقيمة العمل الجاد، إلى أن انتهت الأشهر الستة بشق الأنفس ونجح في الاختبار النهائي، بعد أن أثبت قدرة فائقة من الناحية النظرية والعملية على مدار الفترة الفائتة، ليكون الوحيد على دفعته الذي تم تعيينه، وتنقلب حياته رأساً على عقب.
هل ما حدث مع «كريس غاردنر» محض صدفة؟ بالتأكيد لا. بل هو نتاج إيمانه بنفسه وبقدرته على صناعة الحظ وخلق الفرص من خلال الكفاح والعمل الجاد. ولو كان من بين من يعتقدون بأن الفرص تأتي مصادفة لبقي فقيراً طيلة حياته.
وبالمناسبة، قصة الفيلم هي حكاية قصة حقيقية جرت أحداثها على أرض الواقع لإنسان رسم مصيره بنفسه، ولم يقبل أن يحبطه أحد، أو يخبره شخص بأنه فاشل وصاحب حظ تعيس، وبأنه لن يتمكن من الحصول على فرصة واحدة لتغيير حياته. فكان له ما يريد في النهاية، وغدا واحداً من أكثر الأشخاص نجاحاً وثراء حول العالم.

www.hamadaltamimiii.com