+ A
A -
محمد هنيد
استاذ محاضر بجامعة السوربونتاريخ الاجتماع البشري في أجلى أهدافه إنما يتمثل في ترسيخ البناء الحضاري العابر للزمن والإنسان والصامد في التاريخ والمكان. إن هدف كل مجتمع وشعب، إنما يتحدد بقدرته على بناء المدينة وصيانتها والدفاع عنها وتحقيق سيادة الإنسان فوقها كما يظهر ذلك في آثار الحضارات القديمة والحديثة.
تسعى الشعوب والدول إلى المعمار والتشييد وإقامة الصروح وبناء المدن والمعابر والقصور والقلاع على مدار الزمن والتاريخ، وهو الأمر الذي استمر إلى اليوم لتحسين شروط عيش الإنسان وتوفير أقصى قدر من الرفاهية والرخاء. حقق الإنسان عبر القرون الحديثة قفزة علمية رهيبة، مكّنته من تطويع الطبيعة والتحكم فيها وفي مواردها بشكل لم يسبق له مثيل من قبل.
لكن من جهة ثانية ومع بلوغ التقدم المعرفي ذروته التاريخية أصبح التطور العلمي والتقني وكذا التقدم الاجتماعي والحضاري العام مهدَّدا في وجوده بالأدوات نفسها التي صنعها من أجل الرخاء والرفاه، لقد تحولت المادة إلى مقياس التطور الحضاري، وصار الصراع على تجميع الثروات وتكديسها ومضاعفتها الشغل الشاغل للفرد والجماعة، وهو الأمر الذي فتح الباب أمام الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتحقيق ذلك.
لمّا صارت المادة المطلب الأسمى للمجتمعات وتحولت إلى مقياس النجاح انزلقت الشعوب نحو الفساد وتضخمت أشكاله وتحوّل إلى أكبر خطر يهدد المدينة ويهدد المجتمعات، وهو السبب الذي أدى من جهة أخرى إلى انقسامات حادة داخل الدول بين طبقات فاحشة الثراء وملايين الفقراء والمشردين والعاطلين عن العمل، تسبب ذلك في توحش السلطات الحاكمة وانفتاح العالم أكثر على احتمال اندلاع الحروب والنزاعات .
هنا ندرك أن النهضة العلمية والفتوحات التكنولوجية قد أغفلت أهم أعمدة البناء الحضاري المتمثلة في بناء الإنسان قبل المعمار وقبل المادة، لقد تحول الإنسان اليوم إلى مادة استهلاكية ففقد الجزء الأكبر من القيم التي تمثل جوهر إنسانيته بعد أن صار الكسب المادي السريع همّه الأساسي.
إن جوهر التطور الحضاري لا يقاس بالمعمار والسلاح والتقنية، بقدر ما يقاس بقيمة الإنسان القادر على التحكم في هذه الموارد والقوى وإخضاعها إلى قيمه التي تُعلي من رصيده الرمزي ومخزونه القيمي. إن العمل على بناء الإنسان المتحرر من سطوة المادة النازع إلى الخير وإلى بناء مجتمع العدل، هو الضامن الوحيد لاستمرار الحضارة وهو القادر على تحصين البشرية من نزعة التوحش ومن رغبة السيطرة ومن السعي إلى تحقيق سعادته الفردية على حساب الآخرين.
استاذ محاضر بجامعة السوربونتاريخ الاجتماع البشري في أجلى أهدافه إنما يتمثل في ترسيخ البناء الحضاري العابر للزمن والإنسان والصامد في التاريخ والمكان. إن هدف كل مجتمع وشعب، إنما يتحدد بقدرته على بناء المدينة وصيانتها والدفاع عنها وتحقيق سيادة الإنسان فوقها كما يظهر ذلك في آثار الحضارات القديمة والحديثة.
تسعى الشعوب والدول إلى المعمار والتشييد وإقامة الصروح وبناء المدن والمعابر والقصور والقلاع على مدار الزمن والتاريخ، وهو الأمر الذي استمر إلى اليوم لتحسين شروط عيش الإنسان وتوفير أقصى قدر من الرفاهية والرخاء. حقق الإنسان عبر القرون الحديثة قفزة علمية رهيبة، مكّنته من تطويع الطبيعة والتحكم فيها وفي مواردها بشكل لم يسبق له مثيل من قبل.
لكن من جهة ثانية ومع بلوغ التقدم المعرفي ذروته التاريخية أصبح التطور العلمي والتقني وكذا التقدم الاجتماعي والحضاري العام مهدَّدا في وجوده بالأدوات نفسها التي صنعها من أجل الرخاء والرفاه، لقد تحولت المادة إلى مقياس التطور الحضاري، وصار الصراع على تجميع الثروات وتكديسها ومضاعفتها الشغل الشاغل للفرد والجماعة، وهو الأمر الذي فتح الباب أمام الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتحقيق ذلك.
لمّا صارت المادة المطلب الأسمى للمجتمعات وتحولت إلى مقياس النجاح انزلقت الشعوب نحو الفساد وتضخمت أشكاله وتحوّل إلى أكبر خطر يهدد المدينة ويهدد المجتمعات، وهو السبب الذي أدى من جهة أخرى إلى انقسامات حادة داخل الدول بين طبقات فاحشة الثراء وملايين الفقراء والمشردين والعاطلين عن العمل، تسبب ذلك في توحش السلطات الحاكمة وانفتاح العالم أكثر على احتمال اندلاع الحروب والنزاعات .
هنا ندرك أن النهضة العلمية والفتوحات التكنولوجية قد أغفلت أهم أعمدة البناء الحضاري المتمثلة في بناء الإنسان قبل المعمار وقبل المادة، لقد تحول الإنسان اليوم إلى مادة استهلاكية ففقد الجزء الأكبر من القيم التي تمثل جوهر إنسانيته بعد أن صار الكسب المادي السريع همّه الأساسي.
إن جوهر التطور الحضاري لا يقاس بالمعمار والسلاح والتقنية، بقدر ما يقاس بقيمة الإنسان القادر على التحكم في هذه الموارد والقوى وإخضاعها إلى قيمه التي تُعلي من رصيده الرمزي ومخزونه القيمي. إن العمل على بناء الإنسان المتحرر من سطوة المادة النازع إلى الخير وإلى بناء مجتمع العدل، هو الضامن الوحيد لاستمرار الحضارة وهو القادر على تحصين البشرية من نزعة التوحش ومن رغبة السيطرة ومن السعي إلى تحقيق سعادته الفردية على حساب الآخرين.