روى الإمام البيهقي، عن الحاكم، أنّ ابن سريج القاضي، دخل يوما على الخليفة العباسي المعتضد، فدفع إليه الخليفة كتابا يسأله عن رأيه فيه.
فلما قرأ ابن سريج الكتاب، فإذا فيه كل رخصة من كل مذهب، وكل زلل من أخطاء العلماء!
فقال له ابن سريج: يا أمير المؤمنين، من جمع هذا الكتاب فهو زنديق، وجب جلده وحبسه!
فقال له الخليفة: ولم؟
فقال له: إنّ من أباح المتعة لم يبح الغناء، ومن أباح الغناء لم يبحْ معه آلات الطرب، وإنّ من جمع زلل العلماء ثم أخذ بها لم يبق من دينه شيء، وإنّما كان له دين هوى، لا الديّن الذي جاء به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
فأمر الخليفة بتحريق الكتاب!
ما قبض الله تعالى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم إلا بعد أن أتمّ به شريعته، وأرسى دعائم دينه، ثم جاء الفقهاء بعد ذلك، وأعملوا عقولهم وأفهامهم في هذه الشريعة شرحا، وتبسيطا، وتبويبا، فهم لم يضيفوا دينا وإنما أعانوا الناس على فهمه والعمل به، وهم نهاية المطاف بشر، والخطأ منهم وارد، ولا عصمة إلا للأنبياء!
وحين يخطئ أصحاب المذاهب في قياس أو استنباط فلأجل أنّ الأحاديث في ذلك الوقت لم تكنْ قد جمعتْ كما هو الحال اليوم، فربما غاب عن أحدهم نص فقال بخلافه، وما أجمل الإمام الشافعي حين قال: إذا صحّ الحديث فهو مذهبي!
وإنّ الذي يتتبع أخطاء الفقهاء رحمهم الله ثم يجعل منها دينا فما هو إلا كجامع قمامة، ترك أجمل ما في البيوت وأخذ أقبحها!
الأسلم للدين أن يتخذ المرء مذهبا من المذاهب الأربعة ويسير عليه بما فيه، فهي مذاهب وضع الله تعالى لأصحابها القبول في الأرض، وتلقتها الأمّة بالاستحسان والعمل منذ أكثر من ألف سنة.
أما الترجيح والانتقاء فهو للمجتهد الذي توفرتْ فيه صفات الاجتهاد، وعرف أصول الفقه، ومصطلح الحديث، وأتقن العربية، وعلم الناسخ والمنسوخ، وللقضاة ينظرون في أيّ شيء أخف على الناس في فقه المعاملات ممّا اختلف فيه الفقهاء وكان حلالا كله، أما أن يعمد الإنسان بنفسه إلى أقوال الفقهاء وكلما استيسر شيئا جعله دينا له، وكلما استثقل أمرا طرحه، فهذا دين هوى!
بقلم: أدهم شرقاوي