+ A
A -
محمد هنيد
أستاذ محاضر بجامعة السوربون تذهب كثير من الأبحاث اليوم إلى أن العالم يعيش تحولا في موازين القوى مضمونه تراجع القطب الغربي بقيادة الولايات المتحدة وصعود قوى جديدة أهمها روسيا والصين. ترى نفس هذه الأبحاث أنّ العالم يتحوّل نحو بناء متعدد الأقطاب بعد حوالي ثلاثة عقود من سيطرة القطب الواحد الذي تعزز إثر انهيار الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينات من القرن الماضي.
قد لا تخلو هذه القراءة من وجاهة نظرية بسبب التحولات التي تعرفها المنطقة ويعرفها العالم مع احتدام الأزمة الأوكرانية وتمدد الصين الصناعي والتجاري لكنها قراءة قد لا تستقيم من الناحية الإجرائية. إن صعود الامبراطوريات وأفولها لا يستجيب لمنطق التحول السريع، بل هي تراكمات تحتاج عقودا وأحيانا قرونا من الزمان وتستلزم سياقات وشروطا دقيقة تسمح بتحقيق تحول جوهري في حركة القوة العالمية.
صحيح أن القطب الروسي الصاعد أو الصيني الزاحف يحققان بعضا من شروط الزعامة العالمية لكنها قوى لا تملك المقومات اللازمة للانتصاب رائدة للعالم، كما هو الأمر بالنسبة للقوة الغربية عامة أو الأميركية خاصة. إذ لا يقتصر الأمر على القوة العسكرية كما هو حال روسيا أو على القدرات الاقتصادية والتجارية، كما هو حال الصين بل يتجاوزهما إلى شروط أعمق وأوسع.
لا تمتلك الصين ولا روسيا القدرة على منافسة المنظومات الغربية المؤسَّسة على الحرية وعلوية المؤسسات ودولة القانون رغم كل الماضي الاستعماري لهذه القوى. أما الصين الشيوعية فإنها رغم قوتها الاقتصادية إلا أنها تبقى حبيسة نظام شيوعي استبدادي قامع للحريات الفردية والجماعية لا يؤمن بالحق في الاختلاف مهما كان ذلك ضئيلا، وكذا الأمر بالنسبة لروسيا التي تقتصر قوتها على مخزونها من المواد الأولية وعلى صناعاتها العسكرية، وهو ما لا يسمح لها بأن تكون منوالا رياديا لبقية دول العالم. .أما بالنسبة للمنطقة العربية فإن النظام الرأسمالي ممثلا في الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية يمثل أقل المنوالات الدولية ضررا، ولا يمكن أن يقارن ببشاعة المنوالات الشيوعية. إن الجرائم الروسية في سوريا وقبلها في الشيشان والقرم وبلدان تركستان، وكذا جرائم الصين ضد الأقليات العرقية وخاصة شعب الإيغور المسلم تشكل خير دليل على دموية هذه القوى خاصة ضد الشعوب المسلمة. .بناء على ما تقدّم لن تستطيع البلدان العربية التخلص من هذه التبعية الحضارية للقوى الخارجية إلا بالسعي إلى نحو ترميم البناء العربي، مهما كانت التضحيات فتحقق ما تستطيع به مواجهة الأخطار القادمة من الغرب والشرق.
[email protected] -
أستاذ محاضر بجامعة السوربون تذهب كثير من الأبحاث اليوم إلى أن العالم يعيش تحولا في موازين القوى مضمونه تراجع القطب الغربي بقيادة الولايات المتحدة وصعود قوى جديدة أهمها روسيا والصين. ترى نفس هذه الأبحاث أنّ العالم يتحوّل نحو بناء متعدد الأقطاب بعد حوالي ثلاثة عقود من سيطرة القطب الواحد الذي تعزز إثر انهيار الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينات من القرن الماضي.
قد لا تخلو هذه القراءة من وجاهة نظرية بسبب التحولات التي تعرفها المنطقة ويعرفها العالم مع احتدام الأزمة الأوكرانية وتمدد الصين الصناعي والتجاري لكنها قراءة قد لا تستقيم من الناحية الإجرائية. إن صعود الامبراطوريات وأفولها لا يستجيب لمنطق التحول السريع، بل هي تراكمات تحتاج عقودا وأحيانا قرونا من الزمان وتستلزم سياقات وشروطا دقيقة تسمح بتحقيق تحول جوهري في حركة القوة العالمية.
صحيح أن القطب الروسي الصاعد أو الصيني الزاحف يحققان بعضا من شروط الزعامة العالمية لكنها قوى لا تملك المقومات اللازمة للانتصاب رائدة للعالم، كما هو الأمر بالنسبة للقوة الغربية عامة أو الأميركية خاصة. إذ لا يقتصر الأمر على القوة العسكرية كما هو حال روسيا أو على القدرات الاقتصادية والتجارية، كما هو حال الصين بل يتجاوزهما إلى شروط أعمق وأوسع.
لا تمتلك الصين ولا روسيا القدرة على منافسة المنظومات الغربية المؤسَّسة على الحرية وعلوية المؤسسات ودولة القانون رغم كل الماضي الاستعماري لهذه القوى. أما الصين الشيوعية فإنها رغم قوتها الاقتصادية إلا أنها تبقى حبيسة نظام شيوعي استبدادي قامع للحريات الفردية والجماعية لا يؤمن بالحق في الاختلاف مهما كان ذلك ضئيلا، وكذا الأمر بالنسبة لروسيا التي تقتصر قوتها على مخزونها من المواد الأولية وعلى صناعاتها العسكرية، وهو ما لا يسمح لها بأن تكون منوالا رياديا لبقية دول العالم. .أما بالنسبة للمنطقة العربية فإن النظام الرأسمالي ممثلا في الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية يمثل أقل المنوالات الدولية ضررا، ولا يمكن أن يقارن ببشاعة المنوالات الشيوعية. إن الجرائم الروسية في سوريا وقبلها في الشيشان والقرم وبلدان تركستان، وكذا جرائم الصين ضد الأقليات العرقية وخاصة شعب الإيغور المسلم تشكل خير دليل على دموية هذه القوى خاصة ضد الشعوب المسلمة. .بناء على ما تقدّم لن تستطيع البلدان العربية التخلص من هذه التبعية الحضارية للقوى الخارجية إلا بالسعي إلى نحو ترميم البناء العربي، مهما كانت التضحيات فتحقق ما تستطيع به مواجهة الأخطار القادمة من الغرب والشرق.
[email protected] -