+ A
A -
يروي ابن القيم في كتابه القيم «مفتاح دار السعادة»، أن أحد العلماء ركب مع جماعة من التجار في سفينة، فلما صاروا في عرض البحر انكسرت بهم سفينتهم، وغرقت وغرق معها كل المال والتجارة، فأُنقِذوا من قبل الصيادين، وحُمِلوا إلى أقرب مدينة.
أصبح التجار في ذل الفقر بعد عز الغنى، أما العالم فجلس في حلقة في المسجد يعلم الناس، فذاع صيته، وعينه الوالي على القضاء..
فلما أرادوا الرجوع، حزم العالم أمتعته معهم، فجاء الوالي والناس يسألونه أن يبقى معهم، فقبل منهم ذلك.
فقال له التجار: هل لك من رسالة إلى قومك وأهل بلدك؟
فقال لهم: نعم، قولوا لهم: إذا اتخذتم مالا، فاتخذوا مالا لا يغرق إذا انكسرت السفينة.
كل مهارة يتعلمها الإنسان هي مال لا يغرق، ولست أبالغ إذ أقول إن ثروة الإنسان الحقيقية هي ما في رأسه لا ما في جيبه! لسبب بسيط أن المعرفة تجلب المال، ولكن المال لا يجلب المعرفة..
ولست أقلل من قيمة المال، على العكس تماما، قاتل الله الحاجة ففيها ذل، وإراقة ماء الوجه، ولكن المال يذهب والمعرفة تبقى!
توالت الأحداث السياسية والصراعات في بلادنا في السنوات الأخيرة، ونتج عنها حركة هجرة غير مسبوقة، وخرج الناس هاربين من الموت بثيابهم التي عليهم، لا يحملون معهم إلا الأفكار التي في رؤوسهم، والمهارات التي سبق وأتقنوها، وكل صاحب فكر، أو مهنة، أو حرفة مهما كانت سهلت على صاحبها الحصول على عمل، النجار لم يحمل ورشته ولكنه حمل مهارته فوجد هناك ورشة، والطبيب لم يحمل معه عيادته، ولكنه حمل مهارته، فوجد هناك عيادة أو مستشفى..
البيوت، والعمارات، والأراضي تركها الناس خلف ظهورهم لأنها ببساطة لا تحمل من بلد إلى بلد، ووحده الله يعلم إن كانوا سيعودون إليها أم لا.
فأكثروا من المال الذي لا يغرق..
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
06/02/2022
1752