+ A
A -
في «قصص الدراويش» «لإدريس شاه» أن عرافا أخبر أهل المدينة أنه بتاريخ محدد سينزل بالماء سحر سيصيب من يشرب منه بالجنون، إلا الماء الذي يخزن بطريقة معينة!
لم يستمع للعراف إلا رجل واحد، جمع ماء كثيرا، وخزنه بالطريقة التي قيل عنها!
وفي التاريخ المحدد أصاب السحر الماء، وصار جميع من في المدينة مجانين إلا الرجل الذي كان قد خزن الماء، لأنه كان يشرب من الماء السليم.
كان الجميع مجانين تماما، يقولون أشياء لا منطقية، أفكارا غير متزنة، ويقومون بتصرفات حمقاء، وأشد أفكارهم جنونا كانت أنهم نظروا إلى العاقل الوحيد في المدينة على أنه مجنون! فقد بدا غريب الأطوار، يتفوه بأشياء غير مفهومة!
وعلى مدار أسبوع كامل كان يتحمل سخريتهم، ونظرات الشفقة في عيونهم، وهمزهم ولمزهم به، وأخيرا ضاق ذرعا بكل شيء، فقرر أن يصبح كالجميع، أخذ كأسا من الماء الذي يشرب منه الناس وشربه، ومنذ ذلك الحين بدأ الناس ينظرون إليه على أنه الرجل الذي استرد عقله بمعجزة!
أول ما قرأت هذه القصة خطر لي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «بدأ هذا الدين غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء»!
وأي غربة أقسى من أن تنقلب الموازين كما في القصة، أن يصبح العاقل مجنونا، والمجنون عاقلا!
أي غربة أقسى من أن يوضع رواد المساجد تحت المراقبة الأمنية، وينظر إلى رواد المراقص على أنهم جهة مأمونة!
الوجع كل الوجع أن ينظر للمتنقبة على أنها معقدة!
وللزوج الحنون على أنه ضعيف شخصية!
وللموظف الأمين الذي لا يرتشي على أنه لا يعرف من أين تؤكل الكتف!
لا شيء أكثر وجعا من أن تفسد الفطرة، فيصير الجميل قبيحا في عيون الناس، والقبيح هو غاية الجمال!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
08/02/2022
2283