مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةفي ظل ما يجري اليوم من تحديات جديدة للمسلمين في المهجر الغربي، سأركز في هذا المقال على ما أعتقده مساحة مهمة لفهم طبيعة الواقع الاجتماعي والسياسي في الغرب، وبالتالي إدراك حساسياته وظروفه، في حدود ما يمكنني لفت النظر إليه، وليس كون هذا القلم مرجعاً فيه.
فالقوانين الغربية اليوم، ومجمل الموقف العام تدخل أبعاداً حديثة، ربما لم تكن بهذا المستوى، وقد تختلف مستويات هذه الدول، فقد برز ملف السويد مؤخراً، مقابل موقف أفضل في بريطانيا مثلاً، وإن بقيت مشتركات أزمة الحقوق القيمية في مستويات مختلفة مرشحة للتطور.
ونقصد هنا بالتحدي القيمي، ثقافة المسلمين، والحفاظ على كليات أبنائهم الإيمانية والتربوية، وصناعة حد أدنى من الحماية، ومساحة الاستقلال الفكري، وهو استقلال لم يكن ليمنع اليوم ولا الغد، من تقديم النموذج الأخلاقي للمسلمين في الغرب، وتعزيز الشراكة المجتمعية النافعة للإنسانية بكل جوارها المتعدد، دينياً وعرقياً، والانتقال إلى مفهوم المواطنة في الدول الغربية، الذي يصنعه المسلمون باندماج ذاتي، يجمع بين الشراكة والتميّز وحق الضمير المستقل.
وهناك سجل واسع وتاريخ حافل لجهود المسلمين المتعددة، في الغرب لا مجال لحصرها، قد ساهمت ولا يزال بعضها في تحقيق نقلة نوعية للمجتمع المسلم ومواطنته الغربية، غير أن التحديات تطورت كثيراً اليوم، فهناك مركز قلق غربي بالمجمل من ظاهرة الهجرة التي تزداد بسبب واقع العالم الجنوبي، من أهم أسبابه إدارة مركز العالم في الغرب لنشأة وسياسة العالم الحديث.
لكننا هنا في بسط الواقع المعاش للمسلمين وشركائهم في المجتمعات الجديدة، ولسنا في منصة جدل لتأثير الأفكار العالمية على سكان الكوكب، وهذا الملف يدفع بقوة أي قوى نهضة في الشرق، إلى التفكير الجاد والمركّز في أولوية استقرار بلدان الشرق، وأن انهيار هذه الدول، سواءً بالسقوط أو بالتوحش المستبد بلا حدود، سوف يُحمّل هذه الشعوب أوضاعاً أسوء.
وبالتالي فمهمة نقل أي بلد منكوب للسلم بعد الحرب، وللاستقرار السياسي النسبي بدلاً من حالة القمع والحرب الأمنية، ونقل مسارات الكفاح لبرنامج المدافعة المدنية والسياسية، الأقل تكلفة على الشعوب، لأن استمرار سقوط الدول حرباً أو توحشاً، يُهدر فرص مساحة كبرى للشعوب، فتزحف اليوم إلى شمال العالم، وبعضها يفقد حياته في الطريق، وبعضها يفقد بعد الوصول استقراره النفسي والاجتماعي.
ولا يُمكن عملياً أن يُدعا كل مسلمي الغرب للهجرة المعاكسة، فهذا لا يتوفر أصلاً للملايين، كما أن حال المهاجرين في الغرب، لا يعني أنه يعيش مآسي بالجملة للجميع، أو أن مبررات الهجرة منتفية، بل هناك ضرورات للبعض للهجرة، كما أن هناك نجاح واستقرار لأسر عديدة وشباب خطّوا طريقهم، ومبدعون كثر.
ولكن هناك أيضاً تحديات للأجيال التي تولد، وإشكاليات الطلاق والانفصال الزوجي، وأثرها على الأطفال، وواقع الضخ الجديد للثقافات المتطرفة ضد الفطرة في الغرب، والتي لا يمكن للأسرة المسلمة العبور منها، دون أرضية وعي دقيقة، تضبط اللغة مع أطفالها والبنية الإيمانية السلوكية، وتبني عندهم قناعة قبول قوية لمفاهيم الإسلام الأخلاقية، تستوعب لغة الخطاب الغربي ما نتفق معه وما نختلف.
ولكن هذه المنابر أو المنصات أو المؤسسات الموجهة لثقافة الفرد، وبالذات الأطفال لا يمكن أن تعتمد على التوجيه من الخارج الذي يجهل الواقع الغربي تماماً، وليس ذلك لرفض مناهج علوم أو ثقافات أصيلة من الشرق، أو وعي آدابه وفكره الإيجابي، وإنما نقصد تحديداً فقه قضايا المهجر الصعبة.
بل إن ظاهرة التغطية اليوم من بعض السوشل ميديا واليوتيوب، لقيادة المجتمع المسلم في الغرب، تحمل بعدين خطيرين، الأوّل أن وصفة المعالجة تتحول من الاحتواء إلى المواجهة، وقد يغلب على اللغة أنها مواجهة مع مجتمع (معادي كافر) أو (سياسي محارب) والمسلمون هنا مواطنون أو مقيمون هم في عهود إقامة ومواطنة، تحكمهم قوانين ودساتير حتى مع وجود الانحياز المؤكد ضدهم.
والثاني هو أن هذا الضخ يُفعّل، كإنذارٌ للمجتمع الغربي ويحوّل إلى قضية أمن قومي لهم، باسم مواجهة الإرهاب، كما أن الأجيال الجديدة ذاتها، قد لا يصلها رسالة التحذير الشرسة، وقد تنظر اليها بصورة عكسية، في مقابل طاولة الخطاب الهادئ ووسائل الحوار المعتمدة في الغرب.
وهذا لا يعني عدم تقدير الموقف التضامني الرشيد من الوطن العربي، وخاصة من المؤسسات الإعلامية المنضبطة ذات الحضور المؤثر، لكن لا بد من الإيمان بأن معركة التحديات للمسلمين في المهجر الغربي، لا يمكن أن تنجح إلا من خلال وعينا وآلياتنا في المهجر، بالخطاب المناسب والكفاح المدني الحقوقي، وأن نصحح ما بي أنفسنا من خلل حتى نُغيّر موقف الآخرين.
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةفي ظل ما يجري اليوم من تحديات جديدة للمسلمين في المهجر الغربي، سأركز في هذا المقال على ما أعتقده مساحة مهمة لفهم طبيعة الواقع الاجتماعي والسياسي في الغرب، وبالتالي إدراك حساسياته وظروفه، في حدود ما يمكنني لفت النظر إليه، وليس كون هذا القلم مرجعاً فيه.
فالقوانين الغربية اليوم، ومجمل الموقف العام تدخل أبعاداً حديثة، ربما لم تكن بهذا المستوى، وقد تختلف مستويات هذه الدول، فقد برز ملف السويد مؤخراً، مقابل موقف أفضل في بريطانيا مثلاً، وإن بقيت مشتركات أزمة الحقوق القيمية في مستويات مختلفة مرشحة للتطور.
ونقصد هنا بالتحدي القيمي، ثقافة المسلمين، والحفاظ على كليات أبنائهم الإيمانية والتربوية، وصناعة حد أدنى من الحماية، ومساحة الاستقلال الفكري، وهو استقلال لم يكن ليمنع اليوم ولا الغد، من تقديم النموذج الأخلاقي للمسلمين في الغرب، وتعزيز الشراكة المجتمعية النافعة للإنسانية بكل جوارها المتعدد، دينياً وعرقياً، والانتقال إلى مفهوم المواطنة في الدول الغربية، الذي يصنعه المسلمون باندماج ذاتي، يجمع بين الشراكة والتميّز وحق الضمير المستقل.
وهناك سجل واسع وتاريخ حافل لجهود المسلمين المتعددة، في الغرب لا مجال لحصرها، قد ساهمت ولا يزال بعضها في تحقيق نقلة نوعية للمجتمع المسلم ومواطنته الغربية، غير أن التحديات تطورت كثيراً اليوم، فهناك مركز قلق غربي بالمجمل من ظاهرة الهجرة التي تزداد بسبب واقع العالم الجنوبي، من أهم أسبابه إدارة مركز العالم في الغرب لنشأة وسياسة العالم الحديث.
لكننا هنا في بسط الواقع المعاش للمسلمين وشركائهم في المجتمعات الجديدة، ولسنا في منصة جدل لتأثير الأفكار العالمية على سكان الكوكب، وهذا الملف يدفع بقوة أي قوى نهضة في الشرق، إلى التفكير الجاد والمركّز في أولوية استقرار بلدان الشرق، وأن انهيار هذه الدول، سواءً بالسقوط أو بالتوحش المستبد بلا حدود، سوف يُحمّل هذه الشعوب أوضاعاً أسوء.
وبالتالي فمهمة نقل أي بلد منكوب للسلم بعد الحرب، وللاستقرار السياسي النسبي بدلاً من حالة القمع والحرب الأمنية، ونقل مسارات الكفاح لبرنامج المدافعة المدنية والسياسية، الأقل تكلفة على الشعوب، لأن استمرار سقوط الدول حرباً أو توحشاً، يُهدر فرص مساحة كبرى للشعوب، فتزحف اليوم إلى شمال العالم، وبعضها يفقد حياته في الطريق، وبعضها يفقد بعد الوصول استقراره النفسي والاجتماعي.
ولا يُمكن عملياً أن يُدعا كل مسلمي الغرب للهجرة المعاكسة، فهذا لا يتوفر أصلاً للملايين، كما أن حال المهاجرين في الغرب، لا يعني أنه يعيش مآسي بالجملة للجميع، أو أن مبررات الهجرة منتفية، بل هناك ضرورات للبعض للهجرة، كما أن هناك نجاح واستقرار لأسر عديدة وشباب خطّوا طريقهم، ومبدعون كثر.
ولكن هناك أيضاً تحديات للأجيال التي تولد، وإشكاليات الطلاق والانفصال الزوجي، وأثرها على الأطفال، وواقع الضخ الجديد للثقافات المتطرفة ضد الفطرة في الغرب، والتي لا يمكن للأسرة المسلمة العبور منها، دون أرضية وعي دقيقة، تضبط اللغة مع أطفالها والبنية الإيمانية السلوكية، وتبني عندهم قناعة قبول قوية لمفاهيم الإسلام الأخلاقية، تستوعب لغة الخطاب الغربي ما نتفق معه وما نختلف.
ولكن هذه المنابر أو المنصات أو المؤسسات الموجهة لثقافة الفرد، وبالذات الأطفال لا يمكن أن تعتمد على التوجيه من الخارج الذي يجهل الواقع الغربي تماماً، وليس ذلك لرفض مناهج علوم أو ثقافات أصيلة من الشرق، أو وعي آدابه وفكره الإيجابي، وإنما نقصد تحديداً فقه قضايا المهجر الصعبة.
بل إن ظاهرة التغطية اليوم من بعض السوشل ميديا واليوتيوب، لقيادة المجتمع المسلم في الغرب، تحمل بعدين خطيرين، الأوّل أن وصفة المعالجة تتحول من الاحتواء إلى المواجهة، وقد يغلب على اللغة أنها مواجهة مع مجتمع (معادي كافر) أو (سياسي محارب) والمسلمون هنا مواطنون أو مقيمون هم في عهود إقامة ومواطنة، تحكمهم قوانين ودساتير حتى مع وجود الانحياز المؤكد ضدهم.
والثاني هو أن هذا الضخ يُفعّل، كإنذارٌ للمجتمع الغربي ويحوّل إلى قضية أمن قومي لهم، باسم مواجهة الإرهاب، كما أن الأجيال الجديدة ذاتها، قد لا يصلها رسالة التحذير الشرسة، وقد تنظر اليها بصورة عكسية، في مقابل طاولة الخطاب الهادئ ووسائل الحوار المعتمدة في الغرب.
وهذا لا يعني عدم تقدير الموقف التضامني الرشيد من الوطن العربي، وخاصة من المؤسسات الإعلامية المنضبطة ذات الحضور المؤثر، لكن لا بد من الإيمان بأن معركة التحديات للمسلمين في المهجر الغربي، لا يمكن أن تنجح إلا من خلال وعينا وآلياتنا في المهجر، بالخطاب المناسب والكفاح المدني الحقوقي، وأن نصحح ما بي أنفسنا من خلل حتى نُغيّر موقف الآخرين.