يروي «كليفتون فاديمان» في كتابه «حكايات البُنيِّ الصغير» أن المستشار الألماني الشهير «بسمارك» قد غضِبَ من الانتقادات اللاذعة والمستمرة التي كان يوجهها إليه «رودولف فيرخاو»، السياسي صعب المِراس، وأشهر أطباء ألمانيا في علم الجراثيم والأوبئة في تلك الأيام.
أرسل «بسمارك» مساعديه ليعرضوا على «فيرخاو» مبارزة!
فقال «فيرخاو»: بما أنِّي الطرف المعروض عليه التحدي، فيحقُّ لي أن أختار سلاح المبارزة! وإني أختار هذا، ورفع إلى الأعلى قطعتي سجق كبيرتين تبدوان متطابقتين تماماً وقال: إن إحدى هاتين القطعتين مصابة بجراثيم قاتلة، والأخرى سليمة تماماً، دعوا معاليه يُقرر ما القطعة التي سيأكلها وأنا سآكل الأخرى!
وعندما عاد المساعدون إلى «بسمارك» يحملون رد «فيرخاو»، دبَّ الذُّعرُ فيه، وقرر أن يصرف النظر عن التحدي!
هناك مبدأ في العلوم العسكرية يقول: قاتِلْ عدوَّك بالسلاح الذي يخشاه هو لا بالسلاح الذي تخشاه أنت!
كلنا نحبُّ حياةً بلا صراعات، ولا مبارزات أساساً، ولكن شأن الحياة أن تضع الناس دوماً في مواقف كهذه! فإن كان عليك أن تختار سلاحاً لمبارزتك فليكُنْ ما تُتقنه أولاً، وما يخشاه خصمك ثانياً!
كان «بسمارك» يطمح إلى أن تكون هناك مناظرة بينه وبين «فيرخاو»، هذا لأنه كان سياسياً محنّكاً، وامتلك قدرةً رهيبةً على المناقشة والإقناع، وكان «فيرخاو» ذكياً فحرم «بسمارك» من أقوى أسلحته، واختار سلاحاً يُتقنه هو، ويجهله خصمه!
أما مبارزة خصم بما يُتقنُ فهذه قمة التحدي!
لهذا كان الله سبحانه وتعالى يعطي أنبياءه عليهم السلام معجزات من نوع ما يُتقنه أقوامهم المعاندون لرسائلهم إمعاناً في تحدِّيهم وإقامة الحجة عليهم!
اشتهر المصريون القدماء بالسحر، فأرسل الله تعالى موسى عليه السلام بالعصا التي تصير حية، عندها فقط خرّ السحرة ساجدين!
واشتهر قوم صالح عليه السلام بأنهم ينحتون من الجبال بيوتاً، جماداً من جماد، ولكن صالح عليه السلام أخرج لهم من الصخرة ناقة، حي من جماد!
وكان بنو إسرائيل بارعين في الطب، والطب مهما تطوّر فإنه يقف عاجزاً أمام إحياء الموتى، فجاء عيسى عليه السلام بمعجزة إحياء الموتى!
ولمّا اشتهر العرب بالبلاغة والفصاحة، كانتْ معجزة النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، هذا الكتاب الخالد الذي يفيض بلاغة، فتحداهم أن يأتوا بآية من مثله، فوقفوا عاجزين!
بقلم: أدهم شرقاوي