في كتابه «خرافات»، يروي الأديب الروسي الشهير «ليو تولستوي» أن ديكين تشاجرا على مزبلة، وكان أحدهما أقوى من الآخر، فتغلب عليه وطرده، وصار منذ تلك اللحظة الحاكم الأوحد للمزبلة!
فتجمعت الدجاجات كلها حول الديك المنتصر، وراحت تمتدح قوته، وتسمعه عبارات الغزل والتمجيد!
وأراد الديك المنتشي بالنصر أن تعرف أمجاده في الساحة المجاورة!
فطار إلى قمة مخزن الغلال، وأخذ يصفق بجناحيه، ويصيح بصوت عال:
انظروا إلىَّ جميعا، أنا الديك المنتصر، وليس لأي ديك في العالم قوة كقوتي هذه!
ولم يكد الديك ينتهي من كلامه، حتى انقض عليه نسر، قتله، وأمسك به بمخالبه، وحمله إلى عشه ليطعم به صغاره!
النجاح الذي يؤدي إلى الغرور مقتلة، والإنسان الذي لا يستطيع تقبل تبعات النجاح، الفشل له في أول الطريق أفضل برأيي، والسبب أن الفشل يكسر النفس ويؤدبها، ويجعل الإنسان حذرا، متأملا في تجربته، محاولا ألا يكررها بذات الأدوات والظروف، كي لا يصل إلى النتائج ذاتها. ولست أبالغ إذ أقول إن الفشل يهبنا الحكمة أكثر مما يفعل النجاح، لا لأن الفشل جيد والنجاح جيد، بل لأن النفس البشرية فرس جموح، وقلما تجد من يستطيع أن يلجم نفسه!
الأمر أشبه بالمرض والعافية، نحن حين نمرض ننكسر، نعرف حجمنا الحقيقي، نرى ضعفنا على حقيقته، نلوذ بالله تعالى كما يليق بالعبد أن يلوذ! قرأت مرة كلاما لطبيب زار مأوى لمرضى السرطان الذين هم في حالة متقدمة من المرض، وميؤوس طبيا من شفائهم، يقول: لفت نظري أن الجميع كانوا إما يحملون المصاحف، أو السبحات، لقد رأى هؤلاء الدنيا على حقيقتها!
وهذا ما قصدته بالضبط أن المرض يؤدبنا!
أما في الصحة فنحن ننسى كثيرا، يفوتنا السبب الذي خلقنا لأجله، ونغفل عن المكان الذي سينتهي إليه مطافنا!
وعلى كل حال، فالتعميم ليس صائبا في كل حال، فكثيرٌ من الناجحين والأثرياء حافظوا على تواضعهم، وكثيرٌ من الفاشلين يشعرونك أنهم هم الذين يديرون هذا الكوكب!
ولكن الفكرة من كل هذا ألا يجعلنا النجاح نبالغ في قدراتنا فنخطو خطوات أكبر منا!
بقلم: أدهم شرقاوي