صادرت الولايات المتحدة الأميركية رصيد الدولة الأفغانية، بقرار متعسف حرم الشعب الأفغاني وليس فقط سلطة طالبان غير المعترف بها دولياً، فقد كانت هناك سُبل عديدة لنقل هذه الأموال لصالح الشعب الأفغاني، وضمان التعاون مع حكومة كابول لدعم الوضع الصحي والمعيشي في أفغانستان، والتي لا تزال تئن من وطأة سجل الحروب السابقة، وتنمّر تنظيم داعش وسعاره الجديد، الذي حسم تكفير طالبان واستهدافها عسكريا.
وما يعنينا في الخطوة الأميركية هو نوايا واشنطن المُضمرة، وأن هذا الانسحاب رغم أنه واجه هزيمة استنزاف ميدانية مع طالبان، لكنه اتخذه في مسار خطوات يؤمّن بها قواته واستراتيجيته الجديدة، فيما يترك طالبان في مواجهة الأزمات الداخلية، والانقسام القومي الذي يتعزز بصورة كبيرة.
وإن آمال أن يفتح الأميركيون مجالات تعاون مختلفة مع حكومة طالبان، لن تكون كما راهنت عليه الحركة، وإن خضع لحسابات دقيقة خشيةً من استخدام داعش، أو غيرها للأراضي الأفغانية، لتطوير تشكيلات جديدة تستهدف المصالح الأميركية.
ولكن عقل واشنطن الأمني وإن وضع حسابات مختلفة لهذا السيناريو، فهو لن يُقدم أي دعم ولن يساعد في أي اعتراف إلا بمقدار محدد، لا يهمه بل لا يريد قيام كيان مستقل قوي في هذا البلد، ورغم أن طالبان تعزز من خطوطها المختلفة مع بكين وموسكو، ومع عواصم عديدة قد تكفل لها مساحة تحرك دولي، غير أن إصرارها على إسقاط التصالح الداخلي والوحدة الوطنية سيضر بها وبمستقبل نفوذها، الذي قد لا يبرز إلا بعد سنوات من الآن، ويُرصّف الطريق لحالة حرب كُبرى تُهلك ما تبقى من حياة هذا الشعب الممتحن.
وفي الأسبوع الماضي استُضِفت من منصة اعتدال، التي يُديرها ويتحلق حولها شباب أفغاني مقرب من فصيل الجبهة الوطنية المعارض، والذي يعتمد على القوميات الأخرى خارج البشتون، هؤلاء الشباب من أبناء الوعي الإسلامي المؤمن بآفاق النهضة، المتألم من واقع ما آلت له الأمور في أفغانستان، والغاضب من إهمال الرأي العام العربي، وخاصةً في نخبته الإسلامية العلمائية والدعوية ومنابرهم المختلفة، لصوت الشباب الأفغاني في الضفة الأخرى.
ولكن أبرز ما توقفت عنده كتأكيد لجذور الأزمة الأفغانية، هو الانقسام القومي العميق، والشكاوى من حصر الحكم أو القوة الاجتماعية السياسية في البشتون، وأن ذلك ممتد لزمن طويل، وفي المقابل يرد الطرف الآخر على هذه الشكوى، ما عانت منه مناطق البشتون وخاصة خلال الاحتلال الأميركي، ويجب القول هنا أن الحالة البشتونية ليست واحدة، بل الحالة الطالبانية ذاتها ليست نسخة واحدة.
فهناك تكتلات قبلية ذات طبائع وأفكار محتقنة متشددة، وهي الأرضية التي تستثمر فيها التنظيمات المتشددة، والتي تعتمد في تواجدها على الجسم الأفغاني المقرب من طالبان، المنسجم مع فكر التكفير والغلو، وتشاهد بالمقابل قلق مستمر من شباب البشتون ومن فريق آخر من طالبان، من قوة هذا التكتل ومساحة نفوذه أو تأثيره على فكر وقرارات الحركة، وعلى التعامل مع إخوانهم من نفس المذهب، فضلاً عن الأقليات الدينية، كما أن ضيق الفقه لديهم يمنع وصول سعة الشريعة إلى تشريعات طالبان.
إن من العجيب أن تجد ان الانقسام في حقيقة الأمر، لا يقوم على تباين ديني، ولكن على اختلاف في تفسير الإسلام بين هيئات أو طلبة علم من مذهب واحد، لكن هذه الخلافات تقوم أيضاً، على نزعة تفاصل قومية شرسة، كانت دلائل الرسالة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، قد ركزت على التحذير منها، لكونها من يحرق الأمن والأمان للمسلمين.
إن آمال هؤلاء الشباب لا تختلف عن آمال شباب البشتون، وحتى القواعد الشبابية المعتدلة في صفوف طالبان، وطنٌ مسلم موحّد يعتمد الحقوق والعدالة السياسية والمساواة، ويعتمد القيم الإسلامية مرجعاً له، لكل الشعب الأفغاني.
لكن هذا الهدف عزيزٌ في إمكانية التطبيق والوصول، وأحد أهم الأسباب هو فقدان الثقة بين القوميات وهي قوميات مسلمة، وهذا يعني أن آمال استقرار أفغانستان يبتعد كثيراً عن الواقع، ولن يُغيّره نجاح طالبان في اختراق بعض الحصار السياسي والتنموي. ولذلك لا مخرج ولا حل دون مسار حوار داخلي، تُنظّمه طالبان مع الفرقاء، ويُنظمه الوسطاء من الخارج أيضاً، لصناعة مسار التغيير لدولة عدالة تحتوي الجميع، عبر تصحيح فكر طالبان وإن بدا متدرجاً، يُشرِك هذه القوميات في التشريعات والتعيينات السياسية ويَسمع رأيها الفكري هو الأسلم، من حرب جديدة تتوسع بين البشتون وبقية القوميات التي وحدها الإسلام.بقلم: مهنا الحبيل
وما يعنينا في الخطوة الأميركية هو نوايا واشنطن المُضمرة، وأن هذا الانسحاب رغم أنه واجه هزيمة استنزاف ميدانية مع طالبان، لكنه اتخذه في مسار خطوات يؤمّن بها قواته واستراتيجيته الجديدة، فيما يترك طالبان في مواجهة الأزمات الداخلية، والانقسام القومي الذي يتعزز بصورة كبيرة.
وإن آمال أن يفتح الأميركيون مجالات تعاون مختلفة مع حكومة طالبان، لن تكون كما راهنت عليه الحركة، وإن خضع لحسابات دقيقة خشيةً من استخدام داعش، أو غيرها للأراضي الأفغانية، لتطوير تشكيلات جديدة تستهدف المصالح الأميركية.
ولكن عقل واشنطن الأمني وإن وضع حسابات مختلفة لهذا السيناريو، فهو لن يُقدم أي دعم ولن يساعد في أي اعتراف إلا بمقدار محدد، لا يهمه بل لا يريد قيام كيان مستقل قوي في هذا البلد، ورغم أن طالبان تعزز من خطوطها المختلفة مع بكين وموسكو، ومع عواصم عديدة قد تكفل لها مساحة تحرك دولي، غير أن إصرارها على إسقاط التصالح الداخلي والوحدة الوطنية سيضر بها وبمستقبل نفوذها، الذي قد لا يبرز إلا بعد سنوات من الآن، ويُرصّف الطريق لحالة حرب كُبرى تُهلك ما تبقى من حياة هذا الشعب الممتحن.
وفي الأسبوع الماضي استُضِفت من منصة اعتدال، التي يُديرها ويتحلق حولها شباب أفغاني مقرب من فصيل الجبهة الوطنية المعارض، والذي يعتمد على القوميات الأخرى خارج البشتون، هؤلاء الشباب من أبناء الوعي الإسلامي المؤمن بآفاق النهضة، المتألم من واقع ما آلت له الأمور في أفغانستان، والغاضب من إهمال الرأي العام العربي، وخاصةً في نخبته الإسلامية العلمائية والدعوية ومنابرهم المختلفة، لصوت الشباب الأفغاني في الضفة الأخرى.
ولكن أبرز ما توقفت عنده كتأكيد لجذور الأزمة الأفغانية، هو الانقسام القومي العميق، والشكاوى من حصر الحكم أو القوة الاجتماعية السياسية في البشتون، وأن ذلك ممتد لزمن طويل، وفي المقابل يرد الطرف الآخر على هذه الشكوى، ما عانت منه مناطق البشتون وخاصة خلال الاحتلال الأميركي، ويجب القول هنا أن الحالة البشتونية ليست واحدة، بل الحالة الطالبانية ذاتها ليست نسخة واحدة.
فهناك تكتلات قبلية ذات طبائع وأفكار محتقنة متشددة، وهي الأرضية التي تستثمر فيها التنظيمات المتشددة، والتي تعتمد في تواجدها على الجسم الأفغاني المقرب من طالبان، المنسجم مع فكر التكفير والغلو، وتشاهد بالمقابل قلق مستمر من شباب البشتون ومن فريق آخر من طالبان، من قوة هذا التكتل ومساحة نفوذه أو تأثيره على فكر وقرارات الحركة، وعلى التعامل مع إخوانهم من نفس المذهب، فضلاً عن الأقليات الدينية، كما أن ضيق الفقه لديهم يمنع وصول سعة الشريعة إلى تشريعات طالبان.
إن من العجيب أن تجد ان الانقسام في حقيقة الأمر، لا يقوم على تباين ديني، ولكن على اختلاف في تفسير الإسلام بين هيئات أو طلبة علم من مذهب واحد، لكن هذه الخلافات تقوم أيضاً، على نزعة تفاصل قومية شرسة، كانت دلائل الرسالة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، قد ركزت على التحذير منها، لكونها من يحرق الأمن والأمان للمسلمين.
إن آمال هؤلاء الشباب لا تختلف عن آمال شباب البشتون، وحتى القواعد الشبابية المعتدلة في صفوف طالبان، وطنٌ مسلم موحّد يعتمد الحقوق والعدالة السياسية والمساواة، ويعتمد القيم الإسلامية مرجعاً له، لكل الشعب الأفغاني.
لكن هذا الهدف عزيزٌ في إمكانية التطبيق والوصول، وأحد أهم الأسباب هو فقدان الثقة بين القوميات وهي قوميات مسلمة، وهذا يعني أن آمال استقرار أفغانستان يبتعد كثيراً عن الواقع، ولن يُغيّره نجاح طالبان في اختراق بعض الحصار السياسي والتنموي. ولذلك لا مخرج ولا حل دون مسار حوار داخلي، تُنظّمه طالبان مع الفرقاء، ويُنظمه الوسطاء من الخارج أيضاً، لصناعة مسار التغيير لدولة عدالة تحتوي الجميع، عبر تصحيح فكر طالبان وإن بدا متدرجاً، يُشرِك هذه القوميات في التشريعات والتعيينات السياسية ويَسمع رأيها الفكري هو الأسلم، من حرب جديدة تتوسع بين البشتون وبقية القوميات التي وحدها الإسلام.بقلم: مهنا الحبيل