مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةلم تكد تمر 48 ساعة من بدء الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، إلّا وأصبح الجيش الروسي على مشارف كييف، ونحن نكتب بعد أن أعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية أن العاصمة تشهد غزواً من ثلاثة محاور، وفي تاريخ الصراعات الحربية وخاصة الدول الصغيرة والضعيفة مقابل الدول الكبرى، فإن هذا التقدم السريع لا يكفي للحسم بنتيجة الانتصار، وما هو المقصود من الانتصار في الحرب الأوكرانية الروسية، في جانب موسكو أو كييف؟
فهذا يحتاج إلى تحرير الخلاصة التي ستنتهي لها الحرب، وحجم ما ينعكس على الدولتين، ولكن المشهد الأول اليوم يعطي مؤشراً مهماً لتوجهات المعركة، وعلاقتها بحرب كسر العظم الكبرى بين الغرب وروسيا الجديدة، التي تتقدم إلى مساحة أكبر في إعلانها كدولة عُظمى لن تستعيد الفكرة الشيوعية، ولكن روح روسيا القيصرية الأرثوذكسية المتشددة، وهذا بالضبط ما عكسه خطاب بوتين المطول قبل كلمته لإعلان الحرب.
وهناك أبعاد خطيرة في كلمة القيصر الجديد، لكننا نركز هنا على الهدف السريع الذي يسعى بوتين ليتقدم له ويحسمه على أرض المعركة، والعالم من حوله يلتقط رسالة القوة العظمى المتوحشة، في المقابل فإن حجم التصريحات التي قدمها الناتو أو الاتحاد الأوروبي، وخاصة واشنطن من تحذير وتهديد ونوايا أو وعود دعم، لم تفعل شيئا لردع القرار الروسي، الذي يعتمد الحسم على الأرض، والمبادرة لخلق واقع ميداني حربي حقيقي.
فهنا تستثمر موسكو حذر الجانب الأوروبي من أي انخراط في مواجهة عسكرية مفتوحة منذ الحرب العالمية الثانية، فمنذ انتهاء الحرب الباردة ظلت المواجهات العسكرية للغرب محكومة بمساحة محددة، أو بخلق تحالف ضد طرف ضعيف كما جرى مع العراق وأفغانستان، بغض النظر عن الاستنزاف الذي تعرض له الأمريكيون مع الأخيرة وخسارتهم الميدان.
لكن بالجملة لم تكن الحرب منعكسة على الحياة اليومية، وبعيدة جداً عن الغرب، أما حرب اليوم فهي ترتد مباشرة على الاتحاد الأوروبي، وهو في ذاته يعيش أزمة توافق مع خطط الأميركيين، وصراع سياسي أخرج بريطانيا من الاتحاد، وقفزت داخله حسابات التنافس الاقتصادي الشرس، ولكن هذا لا يعني أن الغرب لن يقدم حقيبة دعم كما وعد لأوكرانيا، ولا يعني أيضاً أنهُ فقد قوته ككتلة سياسية اقتصادية موحدة، برز في التصريحات الأخيرة حرصها على أن تُظهر موقفا متحداً أمام الغزو الروسي الجديد.
إن القضية هنا في حجم ما يُمكن أن يتقدم له الغرب في مواجهة روسيا، وهو المباشرة بدخول الحرب وليس العقوبات الاقتصادية، ولا مدارات الدعم الأخرى لكييف، فهذا الحسم السريع لموسكو التي لا يعنيها أبداً حجم الضحايا المدنيين، فهي الشريك الراعي والعرّاب لمذابح الشعب السوري وغيره، وطبيعة الحكم الشمولي لبوتين الذي خلق ديمقراطية مزيّفة، تسمح له بالتقدم نحو مثل هذه القرارات ووضع السلطات السياسية والعسكرية في روسيا، تحت الواقع التنفيذي.
ورغم وجود معارضة سياسية لسياسة بوتين، لكنها حوصرت تماماً تحت القمع الأمني، فهو ينطلق بغرور مشهود حتى على مستوى لقائه قيادات العالم، وفي ذات الوقت يبعث رسالته لكل الأطراف ذات العلاقة، بأن تكلفة تأييد الغرب وتقديم خدمات تنفيذية لهم في الميدان العسكري أو في الطاقة، لمواجهة الزحف الروسي سيكون مؤذياً لهم، حتى من دول الأطراف العربية أو الحلفاء الإقليميين كتركيا.
يراهن بوتين هنا على سرعة إنجاز بنك الأهداف النهائي، سيتبعه تنصيب حكومة موالية له في كييف يُعيد بعدها نشر قواته، في صورة انسحاب نسبي، واتفاقيات مع الحكم الجديد، ويُعطيه بعد ذلك مساحةً من الحرية كحكم مستقل، يراعي الخطوط الحمراء لموسكو، ويخدم مصالحها، وعليه تكون رسالة المعركة الجديدة قد عززت نفوذ القيصر، وأكدت رسالته للعالم وليس الغرب فقط.
في حين لو بقيت بالفعل مقاومة عسكرية في أوكرانيا تتلقى دعماً من الغرب، فإن مساحة استعادتها لأوكرانيا المستقلة تبقى ضعيفة وتحتاج لفترة زمنية، أما الحسم العسكري المباشر ثم التغيير السياسي في سياقه، فهو نتيجة تُصنع على الأرض، ومع تأييد بكين للغزو الروسي، فإن معركة كسر العظم التي تنجز في شرق أوروبا، لن تقف عند تلك الحدود ولكنها تصل إلى أطراف العالم وإلى مياه الخليج الدافئة وحليف موسكو الإيراني فيه، وكأنما يقلب الروس الطاولة على الغرب بعد الحرب الباردة.
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةلم تكد تمر 48 ساعة من بدء الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، إلّا وأصبح الجيش الروسي على مشارف كييف، ونحن نكتب بعد أن أعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية أن العاصمة تشهد غزواً من ثلاثة محاور، وفي تاريخ الصراعات الحربية وخاصة الدول الصغيرة والضعيفة مقابل الدول الكبرى، فإن هذا التقدم السريع لا يكفي للحسم بنتيجة الانتصار، وما هو المقصود من الانتصار في الحرب الأوكرانية الروسية، في جانب موسكو أو كييف؟
فهذا يحتاج إلى تحرير الخلاصة التي ستنتهي لها الحرب، وحجم ما ينعكس على الدولتين، ولكن المشهد الأول اليوم يعطي مؤشراً مهماً لتوجهات المعركة، وعلاقتها بحرب كسر العظم الكبرى بين الغرب وروسيا الجديدة، التي تتقدم إلى مساحة أكبر في إعلانها كدولة عُظمى لن تستعيد الفكرة الشيوعية، ولكن روح روسيا القيصرية الأرثوذكسية المتشددة، وهذا بالضبط ما عكسه خطاب بوتين المطول قبل كلمته لإعلان الحرب.
وهناك أبعاد خطيرة في كلمة القيصر الجديد، لكننا نركز هنا على الهدف السريع الذي يسعى بوتين ليتقدم له ويحسمه على أرض المعركة، والعالم من حوله يلتقط رسالة القوة العظمى المتوحشة، في المقابل فإن حجم التصريحات التي قدمها الناتو أو الاتحاد الأوروبي، وخاصة واشنطن من تحذير وتهديد ونوايا أو وعود دعم، لم تفعل شيئا لردع القرار الروسي، الذي يعتمد الحسم على الأرض، والمبادرة لخلق واقع ميداني حربي حقيقي.
فهنا تستثمر موسكو حذر الجانب الأوروبي من أي انخراط في مواجهة عسكرية مفتوحة منذ الحرب العالمية الثانية، فمنذ انتهاء الحرب الباردة ظلت المواجهات العسكرية للغرب محكومة بمساحة محددة، أو بخلق تحالف ضد طرف ضعيف كما جرى مع العراق وأفغانستان، بغض النظر عن الاستنزاف الذي تعرض له الأمريكيون مع الأخيرة وخسارتهم الميدان.
لكن بالجملة لم تكن الحرب منعكسة على الحياة اليومية، وبعيدة جداً عن الغرب، أما حرب اليوم فهي ترتد مباشرة على الاتحاد الأوروبي، وهو في ذاته يعيش أزمة توافق مع خطط الأميركيين، وصراع سياسي أخرج بريطانيا من الاتحاد، وقفزت داخله حسابات التنافس الاقتصادي الشرس، ولكن هذا لا يعني أن الغرب لن يقدم حقيبة دعم كما وعد لأوكرانيا، ولا يعني أيضاً أنهُ فقد قوته ككتلة سياسية اقتصادية موحدة، برز في التصريحات الأخيرة حرصها على أن تُظهر موقفا متحداً أمام الغزو الروسي الجديد.
إن القضية هنا في حجم ما يُمكن أن يتقدم له الغرب في مواجهة روسيا، وهو المباشرة بدخول الحرب وليس العقوبات الاقتصادية، ولا مدارات الدعم الأخرى لكييف، فهذا الحسم السريع لموسكو التي لا يعنيها أبداً حجم الضحايا المدنيين، فهي الشريك الراعي والعرّاب لمذابح الشعب السوري وغيره، وطبيعة الحكم الشمولي لبوتين الذي خلق ديمقراطية مزيّفة، تسمح له بالتقدم نحو مثل هذه القرارات ووضع السلطات السياسية والعسكرية في روسيا، تحت الواقع التنفيذي.
ورغم وجود معارضة سياسية لسياسة بوتين، لكنها حوصرت تماماً تحت القمع الأمني، فهو ينطلق بغرور مشهود حتى على مستوى لقائه قيادات العالم، وفي ذات الوقت يبعث رسالته لكل الأطراف ذات العلاقة، بأن تكلفة تأييد الغرب وتقديم خدمات تنفيذية لهم في الميدان العسكري أو في الطاقة، لمواجهة الزحف الروسي سيكون مؤذياً لهم، حتى من دول الأطراف العربية أو الحلفاء الإقليميين كتركيا.
يراهن بوتين هنا على سرعة إنجاز بنك الأهداف النهائي، سيتبعه تنصيب حكومة موالية له في كييف يُعيد بعدها نشر قواته، في صورة انسحاب نسبي، واتفاقيات مع الحكم الجديد، ويُعطيه بعد ذلك مساحةً من الحرية كحكم مستقل، يراعي الخطوط الحمراء لموسكو، ويخدم مصالحها، وعليه تكون رسالة المعركة الجديدة قد عززت نفوذ القيصر، وأكدت رسالته للعالم وليس الغرب فقط.
في حين لو بقيت بالفعل مقاومة عسكرية في أوكرانيا تتلقى دعماً من الغرب، فإن مساحة استعادتها لأوكرانيا المستقلة تبقى ضعيفة وتحتاج لفترة زمنية، أما الحسم العسكري المباشر ثم التغيير السياسي في سياقه، فهو نتيجة تُصنع على الأرض، ومع تأييد بكين للغزو الروسي، فإن معركة كسر العظم التي تنجز في شرق أوروبا، لن تقف عند تلك الحدود ولكنها تصل إلى أطراف العالم وإلى مياه الخليج الدافئة وحليف موسكو الإيراني فيه، وكأنما يقلب الروس الطاولة على الغرب بعد الحرب الباردة.