سمير البرغوثي
كاتب صحفي فلسطيني
أهداني الصديق الخبير السياسي الدكتور عبد الله الفكي البشير كتاب «التنمية حرية»، وهو كتاب يثير جدلا عالميا ويعيد التساؤل: لماذا ننهي حياة عالم مسلم.. بينما لا تتعرض حياة عالم لاديني قدم نفس الطرح وتبنت طرحه الأمم المتحدة؟!.
فالكتاب يقدم مقاربة ببن الكاتب السوداني الإنساني محمود محمد طه، صاحب الفهم الجديد للإسلام الذي حكم عليه بالإعدام، وتم تنفيذ الحكم في العاصمة السودانية الخرطوم في 18 يناير 1985، وعالم الاقتصاد والفيلسوف الهندي أمارتيا كومار سن الحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 1998 وأستاذ الاقتصاد والفلسفة حاليا في جامعة هارفارد وتزوج ابنة الثري اليهودي روتشيلد.
تمحورت المقاربة حول رؤية كل منهما للتنمية.. فقد جاءت رؤية سن في كتابه «التنمية حرية» development 1999 as freedom، وقد اعتبرها بعض العلماء والمختصين أنها تمثل آخر ما أنتجه الفكر التنموي في العالم كما تبناها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP ووصف صاحبها «سن» بأنه رائد الاقتصاد الأخلاقي وأنه خرج بمفهوم التنمية من الفاعلية الاقتصادية إلى مفهوم التنمية بوصفها حرية وأن محورها وغايتها الإنسان.. وظل الإطار المفاهيمي لتقارير الأمم المتحدة ومشاريعها عن التنمية يستند إلى فكر سن وأعماله..
ووقفت المقاربة عند التنمية حرية كونها تعني توسيع حريات الناس لتمليكهم القدرات عبر التعليم وتحريرهم من الفقر والخوف والمرض والجهل إلى جانب تحرير المرأة وزيادة فعاليتها لأجل إحداث التغيير الاجتماعي فضلا عن تنمية المجتمع لإنجاب الفرد الحر المسؤول عن أفعاله وأقواله.. وكشف الكتاب في مقاربته عن أوجه التشابه والتوافق والتطابق بين طه وسن، وأبان أن ما طرحه سن لم يخرج عما طرحه طه منذ خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي على ما هناك من اختلاف بينهما في المرجعية الفكرية والثقافية والمنطلق والمنهج.. ففي الوقت الذي ينطلق فيه طه من القرآن الكريم فإن سن وصف نفسه بأنه (لا ديني)، نظر الكتاب للتوافق بينهما لاعتباره لقاء بين العقول الكبيرة.. الكتاب يتيح الفرصة لتعارف الثقافات وتصاهر الافكار وبناء الشراكات الإنسانية علاوة على كونه يفتح الباب أمام التساؤل حول علمية القرآن التي طرحها محمود محمد طه.. وأساء إلى علماء الرئيس السوداني جعفر النميري فقرر إعدامه عام 1985 وقرر علماء أميركا منح سن جائزة نوبل ووضعوه رائدا في الاقتصاد التنموي بينما يتباهى رئيس قاد بلاده إلى الهاوية التنموية..
وقال نميري حين سئل لماذا أعدمت طه ؟!.. لو ولد مرة ثانية وأنا رئيس لأعدمته.