مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل - مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةيركز المشهد الإعلامي العالمي بصورة مضخمة تكاد تشمل الكوكب، على نموذج واحد من مآلات الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو هزيمة الدب الأحمر أو إعلان انكساره، وقد بات واضحاً أن الحرب اليوم ليست حرب مواجهة مع غزو روسي عسكري فقط، ولكنها حرب موازنة شرسة بين الروس والغرب الليبرالي الكاثوليكي، الذي سيطر على العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وهي سيطرة ضمنت له الصعود الرأسمالي والهيمنة الثقافية، والتأثير المركزي على موازنات العالم، وبالذات ما بين المركز الدولي الجديد وعالم الجنوب.
وخاض الغرب مع شركاء النصر في موسكو حرب استنزاف طويلة، اعتقدت القوة الرأسمالية الغربية أنها انتهت بسقوط الاتحاد السوفياتي، ولقد كان مركز ذلك السقوط فكرياً قبل أن يكون نتيجة حرب الاستنزاف، فالأيديولوجية الشيوعية تحولت إلى عقيدة اعتقال للعقل الحُر، الذي روجت له في ديالكتيك الإلحاد مواسم طويلة، وانتهى مصير الإنسان الروسي إلى سجن كبير بين المصنع والمنزل، المحكوم بتلك الصرامة الحديدية.
وهذا السقوط تزامن أيضاً مع حركة تصفيات ضخمة، قادها زعماء الثورة البلشفية وشخصياتها ضد الإصلاحيين الشيوعيين، وحروب إبادة عانت منها أقاليم واسعة وخاصة من المسلمين، الذين ذهبوا ضحية هذه الإبادات، فيما كانت حروب الإبادة للزحف الغربي لحسم الهيمنة الرأسمالية على العالم، تَظهر أحياناً في صورة معادلة إنقاذ كاذبة، تواجه التطرف الشيوعي أو الدول ذات النزعة اليسارية المستقلة أو الدول المسلمة، التي يخشى الغرب من تحول قدراتها إلى مركز قرار مستقل، ولقد أفاد الغرب في كل ذلك من دكتاتورية الأنظمة المستبدة، والتي انتهى أمرها إلى أن تكون حجراً في رقعة الشطرنج التي يملك ملعبها الغرب.
في الجانب الآخر من العالم استُبدلت الحرب الشيوعية للهيمنة الغربية، بتخليق جديد لروسيا قيصرية جديدة، والصين الرأسمالية الحديثة، التي لا تزال ترفع علم ماو الأحمر، لكن بنيتها دخلت في قلب العالم الاقتصادي، وأصبح الشيوعيون وموسكو الجديدة قطباً رأسمالياً صاعداً، قد تستفيد منهم بعض الدول والشعوب، للنجاة من مقصلة القطب الواحد، غير أن الأمر في النهاية لا يعدو كونه صناعة تنافس وتوحش، الضعفاء والأبرياء في العالم هم ضحيته.
تطور هذا النفوذ وتقدم في عالم الجنوب من جديد، ورغم أن سيطرة الروس على سوريا، كانت عبر المضيق الأميركي الذي قدمه أوباما للرئيس الروسي في إطلاق يده في سوريا، إلا أن القلق من صعود موسكو الجديدة، ثم فرضها بروتوكول الهيمنة على عدة دول في شرق أوروبا ونفوذها الجديد في أفريقيا وآسيا، فضلاً عن الدول المسلمة في آسيا الوسطي، وأقاليم المسلمين في داخل روسيا، أصبح يعطي دلالة خطر على مركز النظام العالمي.
وبالتالي نفهم هنا أن كل ما نسمعه من قرارات حرب اقتصادية ورياضية وإعلامية، فضلاً عن السياسية وتحشيد الدول، هو معركة كبرى لإعادة إطباق النظام العالمي الجديد على المركز، من هنا نطرح ما هي أسئلة الخروج من محور كييف، وعلى ضوئه ممكن فهم مصير الأطراف في العالم، ومنهم الدول العربية وحاضر العالم الإسلامي، التي لا تزال دوله تفقد أساسيات الاستقلال عن المحاور وتخضع لقوة التأثير الكبرى.
وحتى مع وجود تمرد وممانعة، فهي محكومة اليوم بميزان ضعفها العام، داخل صراعات محور كييف ومحور موسكو، سواء كأرضيات استخدام عسكري أو سياسي أو اقتصادي، لأن هذا النظام أيضاً قد يعزل من يواجهه، ويبقى السؤال هنا عن مساحة الاستقلال الممكن الذي تنتهجه دول الأطراف لتنجو من غبار الحرب، أو من ترسها الشرس.
نلاحظ هنا أن حجم الضجيج بانتصار حتمي على المحور الروسي، يتواصل في الإعلام رغم أن الزحف العسكري الروسي يتقدم، وحتى التصريحات الأميركية حتى كتابة هذا المقال، لا تنفي قدرات الغزو الأساسية للروس، التي تؤكدها أنباءُ الميدان.
ولذلك يجب أن نأخذ هنا بالحسبان فكرة مواصلة الحرب الروسية في مواجهة مقاومة أوكرانية، وأثرها في تقديرات النصر المختلف للغرب الليبرالي، ليحصد بعد ذلك نتيجة الهزيمة انكساراً أو استنزافاً، لحماية نظامه العالمي وإعطائه دفعة قوية تُحجّم وتحاصر من يهدده، في حين خروج موسكو بتوازن مختلف بعد حسمها الحرب قد يغير المصير، رغم أن كليهما في خدمة نظام عالمي ظالم يقود العالم للهاوية.
باحث عربي مستقل - مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةيركز المشهد الإعلامي العالمي بصورة مضخمة تكاد تشمل الكوكب، على نموذج واحد من مآلات الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو هزيمة الدب الأحمر أو إعلان انكساره، وقد بات واضحاً أن الحرب اليوم ليست حرب مواجهة مع غزو روسي عسكري فقط، ولكنها حرب موازنة شرسة بين الروس والغرب الليبرالي الكاثوليكي، الذي سيطر على العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وهي سيطرة ضمنت له الصعود الرأسمالي والهيمنة الثقافية، والتأثير المركزي على موازنات العالم، وبالذات ما بين المركز الدولي الجديد وعالم الجنوب.
وخاض الغرب مع شركاء النصر في موسكو حرب استنزاف طويلة، اعتقدت القوة الرأسمالية الغربية أنها انتهت بسقوط الاتحاد السوفياتي، ولقد كان مركز ذلك السقوط فكرياً قبل أن يكون نتيجة حرب الاستنزاف، فالأيديولوجية الشيوعية تحولت إلى عقيدة اعتقال للعقل الحُر، الذي روجت له في ديالكتيك الإلحاد مواسم طويلة، وانتهى مصير الإنسان الروسي إلى سجن كبير بين المصنع والمنزل، المحكوم بتلك الصرامة الحديدية.
وهذا السقوط تزامن أيضاً مع حركة تصفيات ضخمة، قادها زعماء الثورة البلشفية وشخصياتها ضد الإصلاحيين الشيوعيين، وحروب إبادة عانت منها أقاليم واسعة وخاصة من المسلمين، الذين ذهبوا ضحية هذه الإبادات، فيما كانت حروب الإبادة للزحف الغربي لحسم الهيمنة الرأسمالية على العالم، تَظهر أحياناً في صورة معادلة إنقاذ كاذبة، تواجه التطرف الشيوعي أو الدول ذات النزعة اليسارية المستقلة أو الدول المسلمة، التي يخشى الغرب من تحول قدراتها إلى مركز قرار مستقل، ولقد أفاد الغرب في كل ذلك من دكتاتورية الأنظمة المستبدة، والتي انتهى أمرها إلى أن تكون حجراً في رقعة الشطرنج التي يملك ملعبها الغرب.
في الجانب الآخر من العالم استُبدلت الحرب الشيوعية للهيمنة الغربية، بتخليق جديد لروسيا قيصرية جديدة، والصين الرأسمالية الحديثة، التي لا تزال ترفع علم ماو الأحمر، لكن بنيتها دخلت في قلب العالم الاقتصادي، وأصبح الشيوعيون وموسكو الجديدة قطباً رأسمالياً صاعداً، قد تستفيد منهم بعض الدول والشعوب، للنجاة من مقصلة القطب الواحد، غير أن الأمر في النهاية لا يعدو كونه صناعة تنافس وتوحش، الضعفاء والأبرياء في العالم هم ضحيته.
تطور هذا النفوذ وتقدم في عالم الجنوب من جديد، ورغم أن سيطرة الروس على سوريا، كانت عبر المضيق الأميركي الذي قدمه أوباما للرئيس الروسي في إطلاق يده في سوريا، إلا أن القلق من صعود موسكو الجديدة، ثم فرضها بروتوكول الهيمنة على عدة دول في شرق أوروبا ونفوذها الجديد في أفريقيا وآسيا، فضلاً عن الدول المسلمة في آسيا الوسطي، وأقاليم المسلمين في داخل روسيا، أصبح يعطي دلالة خطر على مركز النظام العالمي.
وبالتالي نفهم هنا أن كل ما نسمعه من قرارات حرب اقتصادية ورياضية وإعلامية، فضلاً عن السياسية وتحشيد الدول، هو معركة كبرى لإعادة إطباق النظام العالمي الجديد على المركز، من هنا نطرح ما هي أسئلة الخروج من محور كييف، وعلى ضوئه ممكن فهم مصير الأطراف في العالم، ومنهم الدول العربية وحاضر العالم الإسلامي، التي لا تزال دوله تفقد أساسيات الاستقلال عن المحاور وتخضع لقوة التأثير الكبرى.
وحتى مع وجود تمرد وممانعة، فهي محكومة اليوم بميزان ضعفها العام، داخل صراعات محور كييف ومحور موسكو، سواء كأرضيات استخدام عسكري أو سياسي أو اقتصادي، لأن هذا النظام أيضاً قد يعزل من يواجهه، ويبقى السؤال هنا عن مساحة الاستقلال الممكن الذي تنتهجه دول الأطراف لتنجو من غبار الحرب، أو من ترسها الشرس.
نلاحظ هنا أن حجم الضجيج بانتصار حتمي على المحور الروسي، يتواصل في الإعلام رغم أن الزحف العسكري الروسي يتقدم، وحتى التصريحات الأميركية حتى كتابة هذا المقال، لا تنفي قدرات الغزو الأساسية للروس، التي تؤكدها أنباءُ الميدان.
ولذلك يجب أن نأخذ هنا بالحسبان فكرة مواصلة الحرب الروسية في مواجهة مقاومة أوكرانية، وأثرها في تقديرات النصر المختلف للغرب الليبرالي، ليحصد بعد ذلك نتيجة الهزيمة انكساراً أو استنزافاً، لحماية نظامه العالمي وإعطائه دفعة قوية تُحجّم وتحاصر من يهدده، في حين خروج موسكو بتوازن مختلف بعد حسمها الحرب قد يغير المصير، رغم أن كليهما في خدمة نظام عالمي ظالم يقود العالم للهاوية.