روى «محمد خير يوسف» في كتابه الرائع «دكانة الكتب»، أنَّ عبدالملك بن مروان خرجَ حاجاً، ومعه خالد بن يزيد بن معاوية، وكان خالد من رجال قريش المعدودين، وكان عظيم القدر عند عبدالملك، وبينما هو يطوف بالكعبة، إذ رأى رملةَ بنت الزبير، فعشقها عشقاً شديداً من أول نظرة، ووقعتْ في قلبه وقوعاً مُتمكناً! فلما أراد عبدالملك الرجوع، همَّ خالد بالتخلف عنه.
فوقع بقلب عبدالملك تهمة، فبعثَ إليه فسأله عن أمره، فقال: يا أمير المؤمنين، رملة بنت الزبير، رأيتها تطوف بالبيت، فأذهلتْ عقلي، واللهِ ما أبديْتُ إليكَ ما بين جوانحي حتى عِيل صبري، ولقد عرضتُ النوم على عيني فلم تقبله، والسلو على قلبي فامتنع منه.
فأطال عبدالملك التعجب من ذلك، وقال: ما كنتُ أقول إن الهوى يستأثر مثلك!
فقال له: فإني أشدُّ تعجباً من تعجبك مني، ولقد كنتُ أقول: إن الهوى لا يتمكن إلا من صنفين من الناس: الشعراء والأعراب. أما الشعراء فإنهم ألزموا قلوبهم الفكر في النساء، ووصفهنَّ، والتغزل، فمالَ طبعهم إلى النساء، فضعفت قلوبهم عن دفع الهوى، فاستسلموا له مُنقادين!
وأما الأعراب، فإن أحدهم يخلو بامرأته فلا يكون الغالب عليه غير حبه لها، ولا يشغله شيء عنها، فضعفوا في دفع الهوى فتمكن منهم، فما رأيتُ نظرةً حالت بيني وبين الحزم، وحسنت عندي ركوب الإثم، مثل نظرتي هذه!
فتبسَّمَ عبدالملك وقال: كل هذا قد بلغَ بكَ؟
فقال: واللهِ ما عَرَتني هذه البلية قبل وقتي هذا!
فوجه عبدالملك إلى الزبير يخطب رملة إلى خالد، وذكروه لها، فقالت: لا أنزل على ضرة، حتى يُطلق نساءه!
فطلَّق امرأتين كانتا عنده، ورحل بها إلى الشام!
غريب هو العشق، واللهِ غريب، وإنك لترى الرجل الحازم الذي له عقل يزن بلداً، فتقول ما للعشق على هذا سبيل، ثم تطرحه عين كحيلة بالضربة القاضية، فتسلبه نومه ورقاده، وما على المحبين من سبيل، ولا جريرة، وسبحان من يحول بين المرء وقلبه، وإنما الجريرة على الفعل لا على المشاعر، وعندما أصاب خالد بن يزيد سهم العشق في قلبه، طلب محبوبته للزواج، فادخلوا البيوت من أبوابها، أو تعففوا، فإن العفة جهاد، واللهِ جهاد!
بقلم: أدهم شرقاوي