+ A
A -
لا يتعلق الأمر فقط بحالة الاستنفار العسكري التي تبدو عليها القارة العجوز بل يتعلق بهواجس ما بعد الحرب وما ستخلّفه من آثار كارثية على القارة بأسرها. انطلاقا من مشكلة الهجرة مرورا بإمدادات الغاز والنفط وصولا إلى العلاقات المالية المعقدّة بين شطري القارة تجد أوروبا اليوم نفسها في وضع لا تُحسد عليه يُذكّرها بكوابيسها القديمة وبأن الحرب العالمية الثانية لم تنته بعد.
زادت تصريحات الأميركيين المتباينة حول الموقف الأوروبي من شلل العمل المشترك وهو الأمر الذي عبّر عنه الرئيس الأوكراني حين اتهم الغرب بأنه لم يبادر بما كان منتظرا منه ولم يتدخّل بالشكل المطلوب عبر إغلاق المجال الجوي الأوكراني مثلا.
في فرنسا يشكل السياق الانتخابي عائقا أمام قدرة الدولة على اتخاذ قرارات موحّدة دون أن يؤثّر ذلك على السياق وعلى حظوظ المتنافسين فيه. ثم إن باريس التي تعتبر نفسها محركا أساسيا من محركات الاتحاد إلى جانب ألمانيا تجد نفسها عاجزة عن الحركة الفعلية المؤثرة وتابعة للقرار الأطلسي الأميركي.
أحدثت الحرب حالة من التوجّس في الأوساط المالية الأوروبية بسبب خوفها من أن تصيب الحرب الحالية المنظومة المالية الأوروبية في مقتل وهي التي لم تتعاف بعدُ من آثار الجائحة. أما الآثار الأخرى التي تتعمّد الأجهزة الأوروبية عدم الخوض فيها فهي تتعلق أساسا بمستقبل الدفاع الأوروبي المشترك بعد أن أثبتت الحرب الأخيرة وقبلها الجائحة أنّ البناء الأوروبي ليس بالتماسك والصلابة التي يبدو عليها في الخارج.
كل المؤشرات الداخلية والخارجية تؤكد أنّ أوروبا ستكون الخاسر الأكبر من الحرب الدائرة على الجبهة الشرقية سواء بسبب إمدادات الطاقة أو اضطراب حركة التجارة داخل دول الاتحاد. لكنّ التهديد الأخطر إنما يتمثّل في عجز أوروبا عن فض مشاكلها بنفسها إثر شلل مؤسساتها الرسمية في إيجاد حلول للتهديدات التي تواجهها من الداخل.
من ناحية أخرى كشف الدور الأميركي عن قصور عميق في القدرة على مواجهة التهديد الروسي الذي تحوّل بسرعة إلى حالة غزو عسكري مباشر حيث اكتفت الولايات المتحدة بإرسال المعدات العسكرية والأسلحة إلى الجبهات والإعلان عن حزمة عقوبات مالية واقتصادية لن تكون كافية في مواجهة الزحف الروسي.
هكذا تعود أوروبا إلى حالة الارتهان الحضاري بين المعسكر الروسي من جهة والجشع الأميركي الذي يكتفي بالبحث عن مصالحه المباشرة دون إعارة الاهتمام لالتزاماته التاريخية حيال الشريك الأوروبي. لن يكون المشهد الأوروبي بعد الحرب الأوكرانية كما كان قبله بل سيعيد مراجعة كل الحسابات داخل القارة وخارجها لمنع تمزق الاتحاد بين الأطماع الروسية والشلل الأميركي.بقلم: محمد هنيد
زادت تصريحات الأميركيين المتباينة حول الموقف الأوروبي من شلل العمل المشترك وهو الأمر الذي عبّر عنه الرئيس الأوكراني حين اتهم الغرب بأنه لم يبادر بما كان منتظرا منه ولم يتدخّل بالشكل المطلوب عبر إغلاق المجال الجوي الأوكراني مثلا.
في فرنسا يشكل السياق الانتخابي عائقا أمام قدرة الدولة على اتخاذ قرارات موحّدة دون أن يؤثّر ذلك على السياق وعلى حظوظ المتنافسين فيه. ثم إن باريس التي تعتبر نفسها محركا أساسيا من محركات الاتحاد إلى جانب ألمانيا تجد نفسها عاجزة عن الحركة الفعلية المؤثرة وتابعة للقرار الأطلسي الأميركي.
أحدثت الحرب حالة من التوجّس في الأوساط المالية الأوروبية بسبب خوفها من أن تصيب الحرب الحالية المنظومة المالية الأوروبية في مقتل وهي التي لم تتعاف بعدُ من آثار الجائحة. أما الآثار الأخرى التي تتعمّد الأجهزة الأوروبية عدم الخوض فيها فهي تتعلق أساسا بمستقبل الدفاع الأوروبي المشترك بعد أن أثبتت الحرب الأخيرة وقبلها الجائحة أنّ البناء الأوروبي ليس بالتماسك والصلابة التي يبدو عليها في الخارج.
كل المؤشرات الداخلية والخارجية تؤكد أنّ أوروبا ستكون الخاسر الأكبر من الحرب الدائرة على الجبهة الشرقية سواء بسبب إمدادات الطاقة أو اضطراب حركة التجارة داخل دول الاتحاد. لكنّ التهديد الأخطر إنما يتمثّل في عجز أوروبا عن فض مشاكلها بنفسها إثر شلل مؤسساتها الرسمية في إيجاد حلول للتهديدات التي تواجهها من الداخل.
من ناحية أخرى كشف الدور الأميركي عن قصور عميق في القدرة على مواجهة التهديد الروسي الذي تحوّل بسرعة إلى حالة غزو عسكري مباشر حيث اكتفت الولايات المتحدة بإرسال المعدات العسكرية والأسلحة إلى الجبهات والإعلان عن حزمة عقوبات مالية واقتصادية لن تكون كافية في مواجهة الزحف الروسي.
هكذا تعود أوروبا إلى حالة الارتهان الحضاري بين المعسكر الروسي من جهة والجشع الأميركي الذي يكتفي بالبحث عن مصالحه المباشرة دون إعارة الاهتمام لالتزاماته التاريخية حيال الشريك الأوروبي. لن يكون المشهد الأوروبي بعد الحرب الأوكرانية كما كان قبله بل سيعيد مراجعة كل الحسابات داخل القارة وخارجها لمنع تمزق الاتحاد بين الأطماع الروسية والشلل الأميركي.بقلم: محمد هنيد