+ A
A -
روى «أبو محمد اليافعي» في كتابه «مرآة الجنان» عن الفقيه الجليل عمرو بن شراحيل الكوفي المعروف بالإمام الشعبي، وقال: أرسلني عبدالملك بن مروان إلى ملك الروم، فلما وصلت جعل لا يسألني إلا أجبت، وكانت الرسل لا تطيل عنده، فحبسني أياما كثيرة، حتى أحببت الرجوع، فلما أردت الانصراف قال لي: من أهل بيت المملكة أنت؟!
فقلت: لا، ولكنني رجل من العرب في الجملة.
فهز رأسه، وأعطاني كتابا مختوما، وقال: إذا أديت الرسائل إلى صاحبك، فأعطه هذه أيضا.
فلما دخلت على عبدالملك، أعطيته البريد، ومنه تلك الرسالة الأخيرة.
فلما قرأها قال لي: أقال لك شيئا قبل أن يدفع إليك هذه الرسالة؟
قلت: نعم، سألني من بيت المملكة أنت..
فقلت له: لا، ولكنني رجل من العرب في الجملة.
فقال لي: أتدري ما في الرسالة؟
قلت: لا
قال: خذ واقرأ!
فقرأتها، فإذا فيها: عجبت من قوم فيهم مثل هذا كيف ملَّكوا غيره؟
فقلت له: يا أمير المؤمنين، إنما قال هذا لأنه لم يرك!
فقال لي: أتدري لم قال هذا؟
قلت: لا
فقال: حسدني عليك، وأراد أن يغريني بقتلك.
فبلغ ذلك ملك الروم، فقال: والله ما أردت غير هذا!
بعض الأشياء لا تتغير على ظهر هذا الكوكب، قديما كما حديثا يسعى أعداء هذه الأمة إلى الوشاية فيما بينهم، يزكون الخلافات، ويصبون الزيت على النار، فيتفرق شمل هذه الأمة، ويصبح بأسها بينها شديدا، وتصب جهودها، وإعلامها، وشبابها، ومقدراتها في هذه الخلافات، وتنسى أعداءها يسرحون ويمرحون، ويزدادون قوة، ونزداد نحن ضعفا!
انظروا إلى كل الخلافات التي تقع بين دولنا، تجدونها في مضمونها تافهة، ولا تستحق القطيعة أساسا، ولا يوجد فيها طرف رابح، إنما يخسر الجميع، وتستنفد الطاقات، وتضيع الموارد، ودائما هناك يد خفية تدعم هذا الطرف ضد ذاك، وتغري ذاك على ذلك!
وإن من العجب العجاب أن نعبد ربا واحدا، ونتبع نبيا واحدا، ونقرأ كتابا واحدا، ونتجه إلى قبلة واحدة، ونتحدث لغة واحدة، تجمعنا كل هذه الأشياء ثم تفرقنا التوافه!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
29/03/2022
1480