+ A
A -
مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةبدأ الاستعداد النفسي مبكرا لهذا اليوم، يوم العودة.. العودة لرمضان والعودة إلى مساكن الروح، احتشدنا في كندا وكانت الصورة مكررة في المهجر الغربي، وفي أصقاع الشرق وحاضر العالم الإسلامي، كان المسجد القريب من سكني مركز الأناضول الإسلامي في ميساساغا، وهي مدينةٌ ذات كثافة عالية لتواجد المسلمين فيها، الناس تسعى للمسجد في أول ليلة من التراويح، تكاد تقفز من على الأرض، تجتمع الأُسرة الأب والأم والأطفال، ويُنظمون فطورهم لإدراك الصلاة في الليالي التالية، هناك سفينة مشاعر تحملك وبقية المسلمين تحيط بك، إنه رمضان ما بعد الجائحة.
يا الله.. كم استوحشت الدنيا في حصار المساجد بسبب الوباء، لم يكن حصاراً مادياً فقط ولكنه انحباس لجولة الروح، وتقلبها في الساجدين في بيوت رب العالمين، ولكن لماذا؟
فالله لم يحتكر العبادة ومناجاة الإنسان له، وبث حُزنه له في المسجد، ففلسفة الإسلام التي بشر بها النبي صلى الله عليه وسلم، تُناديه في كل وقت أن الأرض كل الأرض مسجداً لله وطهورا، إنّ الأمر هنا يرتفع فوق المادة وفوق الحدود إلى حيث مسرح الروح، ومسرح الروح لا منصة تحول بينك وبينه، ولا عائق يقطع بلاغك، مادامت أبواب السماء مفتوحة لخفق قلبك وتمتماته.
ولذلك كان البيت العتيق بذاته رمزا للتوحيد لا تقديساً للحجر، وحيث كان التوحيد لله يعني الحرية والمساواة بين البشر، ويعني توجههم للقوة الحقيقية العليا المطلقة، التي لا يملكها أحدٌ إلا الله، فإن معنى الأمان الروحي قائمٌ للعبد ما دامت نفسه تطوف للمعبود، ولكن هذه الرمزية تُنظِم تلك الوحدة الخَلقية لشعوب الأرض في كل زمن، فتشعر برابطة لا يوجد لها مثيل، فهي رابطة العباد كل العباد بالله المبدئ المعيد، وهو جل في عُلاه من حرّج على العباد، وحذرهم ببلاغ نبيه صلى الله عليه وسلم، بأن حماية الأرواح البريئة أهم من حرمة بيته العظيم المقدس.
ولكن ذلك لا يمنع ولا يتعارض مع أن للأروح محطات شوق، وإفاضة كما هي في المشاعر وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم في روضته ومسجده، هنا في المساجد كذلك مأوى لأرواح المسلمين، فما بالك بهذا الزمن الذي يُحاصرنا فيه التصحّر، ويطاردنا فيه الاستبداد، ويُضيّق علينا فيه التوحش الرأسمالي، الذي بات يتقدم حتى في خطط اختطاف أطفالنا من جودي الأُسرة والفطرة، إلى صناعة الإنسان الآلي، آليٌ بفكره وقلبه ولو بقي جسمه من دم وجلد. هنا معنى الحجُ لبيوت الله، هنا معنى سماع القرآن يُتلى في منابر العبادة المتوحدة بالمسلمين، فها نحن نعود إلى الصفوف، وها هي الصفوف تعود بنا، ولذلك لا غرابة أن نستشعرَ أفراح الروح، وهي مشاعر يقين لو أصغى الشباب لدلالتها في قلوبهم وفي عقل وجدانهم، لا أزاحت عنهم جبال الشكوك والظنون والتيه في الأفكار والمذاهب المادية المتعددة، أرح نفسك هنا وحيث ما كنت، وانظر كيف تتوجه روحك للخالق الموجد الرحمن الرحيم.
وأن ما داخل عقلك بين وهم الظن في ظُلمه أو بُعده عنك سبحانه، وبين ما نُحل من أباطيل على رسالة الإيمان به، زعمها شيوخ دين أو أئمة ظالمين، لم يأمر بها الله ولا أنبياؤه عليهم السلام، وأن وعيك لعهود العالم قد لا تُدرك فيها حقيقة حكمة التشريع، فالنظريات العلمية من حولك تسير في عدة دورات، فكيف بحال الزمن والشعوب في بيئات مختلفة لآلاف السنين يقلب فيها الله الليل والنهار، وهو العليم الخبير الحكيم.
فلننطلق من جديد إلى ذلك الميدان الفسيح الذي لا يحده حدود، ولا تقهرك عنه سلاسلُ ولا قيود، إنه باحة الروح الكبرى بين الخالق والمخلوق، وحيث عادت المساجد تَفتح أبوابها وحيث أمّلنا ودعونا أن يصرف الله عنّا وعن الإنسانية البريئة كل أوبئةً ومكاره، كانت في كثير منها بأيدي الناس وخاصة في حروبهم الظالمة، فإن بيت الله يعني السكينة المطلقة، والصلاةُ له يعني وقودك الروحي الذي يُغذّيك إنساناً لا آلة، ويرويك خُلقاً وإحساناً تستعين به على نفسك، وحاذر أن تظلم فإن الظلم والتزوير باسم الدين، لا يُنجو أحدٌ فيه ولو كان بين الحِجر والركن الأمين.
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةبدأ الاستعداد النفسي مبكرا لهذا اليوم، يوم العودة.. العودة لرمضان والعودة إلى مساكن الروح، احتشدنا في كندا وكانت الصورة مكررة في المهجر الغربي، وفي أصقاع الشرق وحاضر العالم الإسلامي، كان المسجد القريب من سكني مركز الأناضول الإسلامي في ميساساغا، وهي مدينةٌ ذات كثافة عالية لتواجد المسلمين فيها، الناس تسعى للمسجد في أول ليلة من التراويح، تكاد تقفز من على الأرض، تجتمع الأُسرة الأب والأم والأطفال، ويُنظمون فطورهم لإدراك الصلاة في الليالي التالية، هناك سفينة مشاعر تحملك وبقية المسلمين تحيط بك، إنه رمضان ما بعد الجائحة.
يا الله.. كم استوحشت الدنيا في حصار المساجد بسبب الوباء، لم يكن حصاراً مادياً فقط ولكنه انحباس لجولة الروح، وتقلبها في الساجدين في بيوت رب العالمين، ولكن لماذا؟
فالله لم يحتكر العبادة ومناجاة الإنسان له، وبث حُزنه له في المسجد، ففلسفة الإسلام التي بشر بها النبي صلى الله عليه وسلم، تُناديه في كل وقت أن الأرض كل الأرض مسجداً لله وطهورا، إنّ الأمر هنا يرتفع فوق المادة وفوق الحدود إلى حيث مسرح الروح، ومسرح الروح لا منصة تحول بينك وبينه، ولا عائق يقطع بلاغك، مادامت أبواب السماء مفتوحة لخفق قلبك وتمتماته.
ولذلك كان البيت العتيق بذاته رمزا للتوحيد لا تقديساً للحجر، وحيث كان التوحيد لله يعني الحرية والمساواة بين البشر، ويعني توجههم للقوة الحقيقية العليا المطلقة، التي لا يملكها أحدٌ إلا الله، فإن معنى الأمان الروحي قائمٌ للعبد ما دامت نفسه تطوف للمعبود، ولكن هذه الرمزية تُنظِم تلك الوحدة الخَلقية لشعوب الأرض في كل زمن، فتشعر برابطة لا يوجد لها مثيل، فهي رابطة العباد كل العباد بالله المبدئ المعيد، وهو جل في عُلاه من حرّج على العباد، وحذرهم ببلاغ نبيه صلى الله عليه وسلم، بأن حماية الأرواح البريئة أهم من حرمة بيته العظيم المقدس.
ولكن ذلك لا يمنع ولا يتعارض مع أن للأروح محطات شوق، وإفاضة كما هي في المشاعر وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم في روضته ومسجده، هنا في المساجد كذلك مأوى لأرواح المسلمين، فما بالك بهذا الزمن الذي يُحاصرنا فيه التصحّر، ويطاردنا فيه الاستبداد، ويُضيّق علينا فيه التوحش الرأسمالي، الذي بات يتقدم حتى في خطط اختطاف أطفالنا من جودي الأُسرة والفطرة، إلى صناعة الإنسان الآلي، آليٌ بفكره وقلبه ولو بقي جسمه من دم وجلد. هنا معنى الحجُ لبيوت الله، هنا معنى سماع القرآن يُتلى في منابر العبادة المتوحدة بالمسلمين، فها نحن نعود إلى الصفوف، وها هي الصفوف تعود بنا، ولذلك لا غرابة أن نستشعرَ أفراح الروح، وهي مشاعر يقين لو أصغى الشباب لدلالتها في قلوبهم وفي عقل وجدانهم، لا أزاحت عنهم جبال الشكوك والظنون والتيه في الأفكار والمذاهب المادية المتعددة، أرح نفسك هنا وحيث ما كنت، وانظر كيف تتوجه روحك للخالق الموجد الرحمن الرحيم.
وأن ما داخل عقلك بين وهم الظن في ظُلمه أو بُعده عنك سبحانه، وبين ما نُحل من أباطيل على رسالة الإيمان به، زعمها شيوخ دين أو أئمة ظالمين، لم يأمر بها الله ولا أنبياؤه عليهم السلام، وأن وعيك لعهود العالم قد لا تُدرك فيها حقيقة حكمة التشريع، فالنظريات العلمية من حولك تسير في عدة دورات، فكيف بحال الزمن والشعوب في بيئات مختلفة لآلاف السنين يقلب فيها الله الليل والنهار، وهو العليم الخبير الحكيم.
فلننطلق من جديد إلى ذلك الميدان الفسيح الذي لا يحده حدود، ولا تقهرك عنه سلاسلُ ولا قيود، إنه باحة الروح الكبرى بين الخالق والمخلوق، وحيث عادت المساجد تَفتح أبوابها وحيث أمّلنا ودعونا أن يصرف الله عنّا وعن الإنسانية البريئة كل أوبئةً ومكاره، كانت في كثير منها بأيدي الناس وخاصة في حروبهم الظالمة، فإن بيت الله يعني السكينة المطلقة، والصلاةُ له يعني وقودك الروحي الذي يُغذّيك إنساناً لا آلة، ويرويك خُلقاً وإحساناً تستعين به على نفسك، وحاذر أن تظلم فإن الظلم والتزوير باسم الدين، لا يُنجو أحدٌ فيه ولو كان بين الحِجر والركن الأمين.