+ A
A -
لمَّا حضرتْ «سعيد بن العاص» الوفاة، قالَ لأولاده: يا بَنِيَّ لا تقطعوا إخواني بعدي، وأجْروا عليهم ما كُنتُ أُجري، واصنعوا بِهم ما كنتُ أصنع، ولا تُلجِئوهم للطلب، فإنَّ الرجل إذا طلبَ الحاجة اضطربَتْ أركانه، وارتعدتْ فرائصه، وكلَّ لسانه، وبدا الكلام في وجهه!
اكفوهم مؤونةَ الطلبِ بالعطيةِ قبلَ المسألة، فإني لا أجدُ لوجه الرجل يأتي يتقلقلُ على فراشه ذاكراً موضعاً لحاجته، فعدا بها عليكم، لا أرى قضى حاجته عوضاً من بذلِ وجهه، فبادِروهم بقضاءِ حوائجِهِم قبل أن يسبقوكم إليها بالمسألة!
وروى «الأبشيهي» في رائعتهِ «المستطرف في كل فن مستظرف»:
أنَّ رجلاً قصدَ صديقاً له في حاجة، فدقَّ عليهِ الباب، فقامَ وفتحَ له.
فقالَ له: السلامُ عليكَ، عليَّ دَينٌ كذا وكذا
فدخلَ داره مُسرِعاً وأعطاه المال، ثم عادَ ودخلَ بيته وجعلَ يبكي!
فقالتْ له زوجته: هلا اعتذرْتَ منه حينَ شقَّتْ عليك الإجابة؟!
فقالَ لها: ما لهذا أبكي، وإنَّما أبكي لأنَّي لم أتفقدْ حاله حتى احتاجَ أن يسألني!
بعضُ الناسِ نُفوسهم عزيزة، ولو ماتوا من الجوعِ ما سألوا أحداً رغيفَ خُبز، وفيهم قالَ ربنا تعالى: «… يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف»!
فكونوا لمَّاحين، وتحسَّسُوا مواضع الحاجةِ عند أحبابكم، ولا تُلجِئوهم إلى الطلب، فإنَّ الناس نهاية المطاف كرامات، وحفظُ كرامة الإنسانِ كحفظِ دمه، فلا تُستطاب الحياة حين يبذل فيها المرء ماء وجهه بالطلب!
وما عُبِدَ الله تعالى بشيءٍ أحب إليه من جبرِ الخواطر، وإنَّ السؤال يكسرُ الخاطر، ويفطرُ القلب، فهنيئاً لمن عرفَ أنَّ للعطاءِ أدباً فَلَزِمَهُ، وأنَّ للوجوهِ ماءً فصانها، وأنَّ للناسِ كراماتٍ فراعاها، وأنَّ للخواطرِ انكساراً فجبرها!
لطالما لفتني في الحديثِ النبويِّ الشريفِ عن الرجلِ الذي سقى كلباً، فشكرَ الله فأدخله الجنة، قوله: لقد بلغَ بهذا الكلب ما بلغَ بي من العطش!
كنتُ دوماً أرى فيه ذكاء إدراك الحاجةِ عندَ الناس، هذا وهو كلب لا تدخل الملائكة بيتاً هو فيه، فكيفَ بالمُسلمِ الذي يضعُ جبينه على الأرض مُردِّداً: سُبحان ربي الأعلى؟!بقلم: أدهم شرقاوي
اكفوهم مؤونةَ الطلبِ بالعطيةِ قبلَ المسألة، فإني لا أجدُ لوجه الرجل يأتي يتقلقلُ على فراشه ذاكراً موضعاً لحاجته، فعدا بها عليكم، لا أرى قضى حاجته عوضاً من بذلِ وجهه، فبادِروهم بقضاءِ حوائجِهِم قبل أن يسبقوكم إليها بالمسألة!
وروى «الأبشيهي» في رائعتهِ «المستطرف في كل فن مستظرف»:
أنَّ رجلاً قصدَ صديقاً له في حاجة، فدقَّ عليهِ الباب، فقامَ وفتحَ له.
فقالَ له: السلامُ عليكَ، عليَّ دَينٌ كذا وكذا
فدخلَ داره مُسرِعاً وأعطاه المال، ثم عادَ ودخلَ بيته وجعلَ يبكي!
فقالتْ له زوجته: هلا اعتذرْتَ منه حينَ شقَّتْ عليك الإجابة؟!
فقالَ لها: ما لهذا أبكي، وإنَّما أبكي لأنَّي لم أتفقدْ حاله حتى احتاجَ أن يسألني!
بعضُ الناسِ نُفوسهم عزيزة، ولو ماتوا من الجوعِ ما سألوا أحداً رغيفَ خُبز، وفيهم قالَ ربنا تعالى: «… يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف»!
فكونوا لمَّاحين، وتحسَّسُوا مواضع الحاجةِ عند أحبابكم، ولا تُلجِئوهم إلى الطلب، فإنَّ الناس نهاية المطاف كرامات، وحفظُ كرامة الإنسانِ كحفظِ دمه، فلا تُستطاب الحياة حين يبذل فيها المرء ماء وجهه بالطلب!
وما عُبِدَ الله تعالى بشيءٍ أحب إليه من جبرِ الخواطر، وإنَّ السؤال يكسرُ الخاطر، ويفطرُ القلب، فهنيئاً لمن عرفَ أنَّ للعطاءِ أدباً فَلَزِمَهُ، وأنَّ للوجوهِ ماءً فصانها، وأنَّ للناسِ كراماتٍ فراعاها، وأنَّ للخواطرِ انكساراً فجبرها!
لطالما لفتني في الحديثِ النبويِّ الشريفِ عن الرجلِ الذي سقى كلباً، فشكرَ الله فأدخله الجنة، قوله: لقد بلغَ بهذا الكلب ما بلغَ بي من العطش!
كنتُ دوماً أرى فيه ذكاء إدراك الحاجةِ عندَ الناس، هذا وهو كلب لا تدخل الملائكة بيتاً هو فيه، فكيفَ بالمُسلمِ الذي يضعُ جبينه على الأرض مُردِّداً: سُبحان ربي الأعلى؟!بقلم: أدهم شرقاوي