التقى «الفضيل بن عياض» بـ «عبد الله بن المبارك» على باب بني شيبة في الحرم المكي، فقال ابن المبارك للفضيل: يا أبا علي ادخل بنا المسجد حتى نتذاكر.
فقال له الفضيل: إذا دخلنا المسجد ألست تريد أن تحدثني بغريب ما عندك، وأحدثك بغريب ما عندي من العلم؟
فقال: بلى.
فقال له: فأي شيء من الإخلاص يبقى إن تزينت لي وتزينت لك؟
فقال له ابن المبارك: أحييتني أحياك الله
فانصرفا ولم يدخلا المسجد!
كان الأوائل يخفون أجمل عباداتهم، لكي تبقى بينهم وبين الله، مخافة أن يداخل أنفسهم العجب، وتطلب الثناء من الناس، فتفسد تلك العبادة!
ثلاثون سنة وزين العابدين بن الحسين يحمل الصدقات والطعام ليلا على ظهره إلى بيوت الفقراء والأرامل والمساكين دون أن يعلم بذلك أحد، ولما مات، وغسلوه وجدوا على ظهره أثر حمل الأكياس، وافتقد الفقراء ما كان يأتيهم، فعلموا أنه صاحب الصدقات!
وصام داود بن هند أربعين سنة دون أن يدري به أهله، كانت زوجته تعد له غداءه، وتحسبه على غير صيام، فيمضي إلى دكانه في السوق، ويتصدق به على الفقراء، فإذا عاد مساء إلى منزله أكل مع أهله، يحسبونه يتعشى وما هو إلا طعام إفطاره، حدث بهذا الذهبي في سير أعلام النبلاء!
الأصل أن يخفي المرء حسناته ما استطاع كما يخفي سيئاته، لأنه لا شيء أحب إلى الله من الخبايا الصالحة، لأنها أريد بها وجهه سبحانه، ثم بعد ذلك الأمر لله من بعد كما هو من قبل، وإن شاء أظهرك وإن شاء أخفاك، والأجر واحد!
ولا تخف على حظك، يكفيك أن الله إذا أحبك، نادى: يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه!
ثم ينادي جبريل في الملائكة إن الله يحب فلانا فأحبوه، ثم يوضع لك القبول في الأرض!
ولله در أحمد بن حنبل، كان يدعو: اللهم أمتني دون أن يعرف بي أحد من خلقك!
فمات ولا يجهله أحد..!
بقلم: أدهم شرقاوي