يروي الأديبُ الصيني «يو هسيو صن» في كتابه الماتع «خرافات صينية قديمة» قصةً يقولُ فيها:
كان «تئين جاو» يخدمُ الدوق «آي في لُو» بإخلاص، ولكنه ظلَّ منزعجاً من ضآلةِ منزلته لدى الدوق.
فقالَ يوماً للدوق: سأرحلُ بعيداً مثل إوزةِ الثلج!
فسأله الدوق: ماذا تعني!
فقال له: هل ترى الديك يا سيدي الدوق؟
إن العُرفَ الذي على رأسِه رمزٌ للأناقةِ والجمال، ومخالبه قوية تُوحي بالقوة، وجُرأته في مقاتلةِ أي عدو تدلُّ على الشجاعة، وغريزته في دعوةِ الآخرين إلى الطعامِ كُلَّما حصلَ عليه تُظهرُ نزعته لعملِ الخير. وأخيراً وليس آخراً فإنَّ دقته في إخبارنا بالوقت تُعطينا مثالاً عن الصِّدق!
غير أنه برغمِ هذه الفضائل الخمس، فإنَّ الديوك تُذبحُ يومياً لتملأ الأطباق على مائدتك! هلَّا سألتني لماذا؟
فقال له الدوق: لماذا؟
فقال له: لأن الديك في مُتناولِ أيدينا. ومن جهةٍ أُخرى فإن الإوزة الثلجية تقطعُ في رحلةِ طيرانٍ واحدةٍ ثلاثمئةَ كيلومتر، وعندما تستريحُ في حديقتك، فإنها تأكلُ أسماكك، وسلاحفكَ، وتنقرُ الفاكهةَ من أشجارك، وبالرغم من أنها لا تملك أية ميزة من ميزاتِ الديكِ فإنك تُقدِّرُها بسببِ ندرتها!
لهذا قررتُ يا سيدي الدوق أن أرحلَ كإوزةٍ تلقى التقدير في مكان آخر!
قالتْ العربُ قديماً: أزهدُ الناس بالمرءِ أهله وذووه!
وفي ذاتِ المضمارِ قالوا: لا كرامة لنبيٍّ في قومه!
ذكَّرتني هذه القصة الصينية الجميلة بقصةِ الإمامِ أبي حنيفة، حيث كان له أُمٌّ هو بها بار، وهي عابدةٌ زاهدةٌ غير أنها لم تكُن تأخذ الفتوى في أمورِها منه!
وفي ذاتِ يومٍ حارتْ في أمرٍ من أمور دينها، فأفتاها أبو حنيفة، فلم تأخذْ منه! وأصرَّتْ أن تذهبَ إلى الفقيه «عُمر بن ذر» لتعرض عليه الأمر!
فقال لها: في المسألةِ خلاف، وأرجحها قول أبي حنيفة!
درجَ الناسُ يقولون: الناسُ في الفقهِ عيال على أبي حنيفة!
ورغم هذا لم تكُن أمه تطمئن لفتواه، هكذا نحنُ الناس نزهدُ دوماً بما في أيدينا، ذلك أن الإلفةُ تقتلُ البريق، وإننا ربما في قرارةِ أنفسِنا نؤمنُ أن النبوغ يجب أن يكون بعيداً!
يبدو أنها إحدى سُنن الكون أن آخر من يؤمن بقدراتِ المرء ونبوغهِ ورسالتهِ هم قومه، ففي يوم أُحُد الذي شجَّتْ قُريش فيه رأس النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وكسرتْ مُقدمة أسنانه، جاءتْ امرأةٌ من الأنصار ماتَ أبوها وزوجها وابنها، تقول: ما فعلَ رسولُ الله؟
فقالوا: هو بخير
فقالت: أروني أنظُر إليه
فما رأته قالتْ: كلُّ مُصيبةٍ دونك جلل يا رسول الله!
قومُهُ أسالوا دمه، وامرأةٌ من الأنصار، فقدتْ أحب الناس إليها، تقولُ له كل شيء يهونُ ما دامَ أنك بخير!
بقلم: أدهم شرقاوي