يروي «جيمس ثورير» في كتابه «كرنفال» قصةً عن بومةٍ كانتْ تجلسُ على غصنِ شجرةٍ في ليلةٍ شديدةِ الظُلمة، فأرادتْ حيوانات الخُلد أن تتسللَ تحت جنح الظلام معتقدة أنها لن يراها أحد، ولكن البومة صرختْ بهم قائلة: أنتم، توقفوا مكانكم!
عادتْ حيواناتُ الخُلد، وأخبرتْ بقية الغابة أنَّ البومة أعقل الحيوانات وأعظمها، إنها تستطيع أن ترى في الظلام.
أرادتْ الحيوانات أن تختبرَ هذا، فأرسلتْ قرداً في الليلةِ التالية، ورفعَ إصبعاً من أصابعه وقالَ للبومة: كم إصبعاً أرفع؟
فقالتْ: اثنين!
عادَ القردُ إلى الحيواناتِ وأخبَرَهم أن البومة يجب أن تكون زعيمتهم!
ولكن الثعلب سألهم: وهل تستطيعُ أن ترى في النهار؟
سخرَ منه الجميع وقالوا: إذا كانتْ تستطيعُ أن ترى في الليل فكيف بها في النهار؟!..
وتمَّ طرد الثعلب من الغابةِ لتطاوله على ملكتهم القادمة!
وفي الصباحِ جاءتْ الحيوانات لمُبايعةِ البومة، وطلبتْ منها أن تمشيَ معها حيث عرشها بانتظارها، مشت البومةُ تتحسَّسُ طريقها ولا تكاد ترى لأن الشمس كانتْ ساطعة، وكانتْ تفتحُ عينيها على وسعها، وتمشي ببطءٍ شديدٍ خشيةَ أن تصطدمَ بشيء فاعتقدت الحيوانات أنَّ هذا من الوقار، حتى أنَّ دجاجة صرختْ وقالت: هذه البومة أعظم من ملكة، أعظم بكثير!
وعندما أرادوا عبور الشارع، لمحتْ الحيواناتُ شاحنةً قادمةً من بعيد، فسارعتْ في الهرب، غير أن البومة كانتْ شبه عمياء تماماً، ولم تهربْ لأنها لم ترَ الشاحنة أساساً، ولوهلةٍ اعتقدت الحيوانات أن البومة ستتمكنُ من إيقاف الشاحنة!
ولكن سرعان ما رأوا أن الشاحنة ما زالتْ تتقدمُ بسرعةٍ حتى دهست البومة ومزَّقتها أشلاءً!
الفكرةُ أن موهبة إنسانٍ في مجالٍ ما ونُبوغه فيه لا يعني أنه بالضرورة قادر على أن يكونَ رجل دولة!
أبو ذر من أزهد الناسِ بالدنيا، وأصدقهم لهجةً في لسانه، ونقاءً في قلبه، ولكن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَمَرَهُ أن لا يحكم بين اثنين، ولا يتولينَّ مال يتيم، ذاك أن التقوى شيء والحُكم شيء آخر، وإن اجتمعا في الحاكم فنورٌ على نور!
خالدُ بن الوليد أصلح للجيش من عُمر بن الخطاب، ولكن ألف خالد لا يُبلون في الحكم بلاء عمر!
هذه الدنيا اختصاصٌ بالدرجة الأولى، الطبيبُ الماهرُ ليس بالضرورة رئيس بلدية ناجحا، والداعيةُ التقيُّ المُتقنُ قد لا يصلح أن يكونَ وزيراً، لهذا يُعجبني قول الشيخ محمد متولي الشعراوي حين قال: أتمنى أن يصلَ الدين إلى أهل الحُكم، لا أن يصلَ أهلُ الدين إلى الحُكم!بقلم: أدهم شرقاوي
عادتْ حيواناتُ الخُلد، وأخبرتْ بقية الغابة أنَّ البومة أعقل الحيوانات وأعظمها، إنها تستطيع أن ترى في الظلام.
أرادتْ الحيوانات أن تختبرَ هذا، فأرسلتْ قرداً في الليلةِ التالية، ورفعَ إصبعاً من أصابعه وقالَ للبومة: كم إصبعاً أرفع؟
فقالتْ: اثنين!
عادَ القردُ إلى الحيواناتِ وأخبَرَهم أن البومة يجب أن تكون زعيمتهم!
ولكن الثعلب سألهم: وهل تستطيعُ أن ترى في النهار؟
سخرَ منه الجميع وقالوا: إذا كانتْ تستطيعُ أن ترى في الليل فكيف بها في النهار؟!..
وتمَّ طرد الثعلب من الغابةِ لتطاوله على ملكتهم القادمة!
وفي الصباحِ جاءتْ الحيوانات لمُبايعةِ البومة، وطلبتْ منها أن تمشيَ معها حيث عرشها بانتظارها، مشت البومةُ تتحسَّسُ طريقها ولا تكاد ترى لأن الشمس كانتْ ساطعة، وكانتْ تفتحُ عينيها على وسعها، وتمشي ببطءٍ شديدٍ خشيةَ أن تصطدمَ بشيء فاعتقدت الحيوانات أنَّ هذا من الوقار، حتى أنَّ دجاجة صرختْ وقالت: هذه البومة أعظم من ملكة، أعظم بكثير!
وعندما أرادوا عبور الشارع، لمحتْ الحيواناتُ شاحنةً قادمةً من بعيد، فسارعتْ في الهرب، غير أن البومة كانتْ شبه عمياء تماماً، ولم تهربْ لأنها لم ترَ الشاحنة أساساً، ولوهلةٍ اعتقدت الحيوانات أن البومة ستتمكنُ من إيقاف الشاحنة!
ولكن سرعان ما رأوا أن الشاحنة ما زالتْ تتقدمُ بسرعةٍ حتى دهست البومة ومزَّقتها أشلاءً!
الفكرةُ أن موهبة إنسانٍ في مجالٍ ما ونُبوغه فيه لا يعني أنه بالضرورة قادر على أن يكونَ رجل دولة!
أبو ذر من أزهد الناسِ بالدنيا، وأصدقهم لهجةً في لسانه، ونقاءً في قلبه، ولكن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَمَرَهُ أن لا يحكم بين اثنين، ولا يتولينَّ مال يتيم، ذاك أن التقوى شيء والحُكم شيء آخر، وإن اجتمعا في الحاكم فنورٌ على نور!
خالدُ بن الوليد أصلح للجيش من عُمر بن الخطاب، ولكن ألف خالد لا يُبلون في الحكم بلاء عمر!
هذه الدنيا اختصاصٌ بالدرجة الأولى، الطبيبُ الماهرُ ليس بالضرورة رئيس بلدية ناجحا، والداعيةُ التقيُّ المُتقنُ قد لا يصلح أن يكونَ وزيراً، لهذا يُعجبني قول الشيخ محمد متولي الشعراوي حين قال: أتمنى أن يصلَ الدين إلى أهل الحُكم، لا أن يصلَ أهلُ الدين إلى الحُكم!بقلم: أدهم شرقاوي