+ A
A -
في «المُختار من نوادرِ الأخبار»، أنَّ أبا معتوقٍ وهو من فُقهاء مدينة حمص، قد دخلَ على الحَكم بن الطلب بن حنطب وهو في سكراتِ الموت. فقال: اللهمَّ هوِّن عليه، فإنه كانَ كريماً، سخياً، شهماً، معطاءً، واصلاً للرَّحِمِ والصَّحبِ!
فجعل وجهُ الحكم بن الطب يُشرقُ ويُنيرُ، ثم فتحَ عينيه، وقالَ له: يا أبا معتوقٍ، إنَّ ملكَ الموت يقولُ لكَ: إنِّي بِكُلِّ سخِيٍّ رفيق!
ثم فاضتْ روحه!
تأمَّلوها بعُمق، تأمَّلوها بقلب، إنِّي بِكُلِّ سَخِيٍّ رفيق!
كُلنا نخشى لحظة نزع الروحِ من الجسد، لأننا نعرفُ أنها لحظة الإخبار بنتيجة امتحانِ الدُنيا الذي نخوضُ غِماره، فإن كانتْ تلكَ اللحظة يسيرة فما بعدها أيسر، وإن كانتْ شديدة فما بعدها أشد!
وأجمل ما قالَ الأوائل: الخواتيمُ ميراثُ السوابق!
إنِّي بِكُلِّ سَخِيٍّ رفيق!
والسخاءُ ليسَ بالمال فقط، وإن كانَ هذا أجمل السخاء، فبالمال يُشبِعُ الكريمُ بطنَ الجائع، ويُخففُ ألمه بعلبةِ الدواءِ يشتريها له، ويحفظُ كرامته بالدَّينِ يقضيه عنه، ونِعم المال الحلال في يدِ العبدِ الصالح!
والسخاءُ بالحُبِ أيضاً، بكلمةٍ حانيةٍ تُقالُ للزوجة، بغزلٍ في لحظةِ تعب، باحتمالِ المزاجِ المُتقلب!
بجبرِ خاطرِ ابنٍ أخفقَ في دراسته، لأنَّ الاحتواء في هذه المواقف أجدى من العتب!
باحتواءِ ابنةٍ فسختْ خُطوبتها، لأنَّ المكسور يحتاجُ في هذه اللحظةِ حُضناً أكثر من حاجته لأيِّ شيءٍ آخر!
والسخاءُ بالتغاضي أيضاً، بالتجاهلِ الذي يَئِدُ الخلافاتِ في مهدها، بصديقٍ خانه نُبله على غيرِ عادة فلم تنسَ له تاريخه المشرق معكَ، بأخٍ نازعكَ فآثرْتَ صلةَ الرحمِ على الانتصارِ في الموقف! بجارٍ أساءَ فكنتَ معه خير ابني آدم!
بهذه الأمور تزدادُ الموازين!
بهذه الأمور تهونُ لحظات الدُنيا الأخيرة!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
05/05/2022
1345