+ A
A -
في «بهجة المجالس» لابن عبد البر أن عُيينة بن أبي سُفيان قال: زيَّنني أبي، وأرسلَني إلى عمي عُتبة أخطبُ ابنته، فأتيتُه فأقعدني في حِجره، وقال: مرحباً بأقرب ِقريبٍ خطبَ، وأحب حبيبٍ وردَ، لا أستطيعُ له رداً، ولا أجدُ من نفعه بُداً، قد زوجتكَ إياها، وأنتَ أعزّ عليَّ منها، وهي أحظى بقلبي منكَ، فأكرِمها يعذبُ على لساني ذكركَ، ولا تُهِنها فيصغرُ عندي قدركَ، وقد قرَّبتُكَ مع قرابتكَ، فلا تُباعدْ قلبي عن صِلَتِكَ!
واللهِ لو تعلمون مقام البنتِ في قلبِ أبيها ما أُهينت امرأة في بيت زوجها، ولا نامتْ ليلةً دامعة العين، ولا مكسورة الخاطر.
فالبنتُ قطعةُ القلبِ إن لم تَكُنْ كله، الغَرْسُ الرقيقُ الذي سُقيَ بماءِ القلب، والضلعُ الضعيفُ الذي حُرَِسَ بأهدابِ العين، ولو لا أنها سُنة الحياة والفطرة التي فطرَ اللهُ الناسَ عليها ما فرَّطَ أبٌ بابنته لزوجٍ ولو كانَ أكرم الناس، فإنَّ فراقها غُربة، وبُعدها وعثاء، وخُلو البيتِ منها مُوحش، ولكنها الحياة، وبهذا تستقيم، وبعضُ الفراق لا بُد منه، ولولا مُغادرة السهم قوسه لم يُصِب!
فترفَّقوا يرحمُكُم الله، فما هُنَّ إلا كالأسيراتِ، فقيِّدوهُنَّ بالحُب، وكبِّلوهُنَّ بالمعروف، وضيِّقوا عليهنَّ بالعِناق، تتسعُ لكم ولهنَّ الحياة، فالأحضانُ أوسعُ الأماكنِ الضيقةِ على هذه الأرض!
وأنتم معشر الآباء لا يُفسد عليكم الواقع فطرتكم، ولا تخُونوا مهد الحُب الذي في قلوبكم لعاداتِ المُجتمعِ البالية، وتقاليده التي ما أنزلَ اللهُ بها من سُلطان!
البناتُ لسنَ سلعاً للبيع يُقدَّمْنَ إلى من يدفع مهراً أكثر! البناتُ أماناتٌ، فأدُّوا الأماناتِ إلى أهلها، إلى من ارتضيتَ دينه وخلقه، إلى من رأيتَ أنه قادر على صونها وإسعادها، إلى من أخذها من أهلها ليكون أهلها، وإلا فاتركها عندكَ أيسرُ لكَ ولها! فإنكَ مسؤولٌ عما فعلتَ بها، وعن المَوْرِدِ الذي أوردتها إياه، وعن الرجلِ الذي جعلتها عنده!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
10/05/2022
1375