مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةهذا الموضوع، رغم أهميّته البالغة، ولكنه من أكثر القضايا إهمالاً في حاضر العالم الإسلامي وفي امتدادات المهجر، ولقد سعيتُ لطرحه مراراً لتحريك التفكير فيه، من الموقف السلبي المصمت الذي يُغيّب مسارات مهمة، يحملها الفكر الإسلامي الرشيد، وقطعيات الدين الإسلامي، ويحتبس عند ركن الاختلاف العقدي، الذي لا شك فيه، ولكنَّ هذا الخلاف لا يمنع من تفعيل المسارات الإنسانية والتعاضدية، في المتفق المشترك مع أهل الكتاب، وفي القيم الروحية الجامعة، وأعيدُ طرحه هنا في مسار غاية في الحساسية، وهي رابطة المواطنة المهمة في حاضر العالم المسلم، وعلاقات مسلمي المهجر بالمجتمع المسيحي الغربي، في ظل صعود الإسلاموفوبيا ضدهم.
إن التباين الجذري بين عقيدة التوحيد الإسلامية والتثليث، وخلاف المسلمين مع المسيحيين على صحة كتابهم السماوي، قديم جداً، ولقد تضافرت آياتُ الكتاب العزيز بتسمية أهل الكتاب رغم وجود هذا التباين، وهو بحث متعدد الاستشهاد، لا يُمكن أن نحصره الآن، كما أن فكرة المركزية الصليبية في أوروبا تتجاوز مسألة الإثبات والتوثيق، فهي تاريخ سياسي دموي مؤكد، يطرح مقابله المسيحيون، حروباً شنها سلاطين أو حكاماً مسلمين اضطهدوا المسيحيين، رغم أن ذلك جرى في سياق سياسي استثمره المستبدون، ولم تكن هناك أي حرب في العهود الراشدة، تشن على أمم مسيحية لأنها مسيحية.
أما الجانب الثاني في الجدل المسيحي الإسلامي العاصف، هو خطاب التبشير الواسع، وهو مدعوم بصورة ضخمة في الغرب وبغطاء لوجستي رسمي، في مجالس كنائس ومنظمات، وإن لم يُعلن تبنيه رسمياً، في المقابل فإن الدعوة للتبشير الإسلامي بنطاقيه، الحواري التعريفي والجدلي المعاكس نشط، وله مؤسساته وشخصياته، وهنا يحتشد السباق ويتوتر.
والأمر في نهايته مرتبطٌ بقناعة الإنسان، في تحديد الدين الذي يُفسّر تاريخ حياته ووجوده، ويشعر معه بالسكينة التي قامت على طمأنينة روح ونظرات عقل، نؤمن بها كمسلمين أو يؤمن بها الطرف الآخر.
المركز الإشكالي الكبير في علاقتنا مع مسيحيي الشرق أو الغرب المسيحي، هو في حصر تلك العلاقة في إطار صراعي، وتجاهل ما نص عليه القرآن الكريم، وما كان مفعلاً في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهي أن هناك حالة خاصة مع الضمير المسيحي، تؤكد التعامل الإنساني الإحساني العام مع المختلف الديني، الذي ندب إليه الإسلام، هذا الوعي الفكري والتحرير الأخلاقي له في قناعة الشعوب، وفي سلوكها الأخلاقي، يقذف به دوماً في حلبات الصراع الشرسة، التي تفرضها معادلة النفوذ الكولونيالي للغرب السياسي، والتعامل الخطابي مع المدنيين المسيحيين من خلاله، وهو خطأٌ بالغ.
وهذا يخلط الموقف ويُسعّر الخطاب ويؤسس لفتن اجتماعية وصدامات أهلية، هي بالقطع من منهيات الشريعة، وهو يُعزّز العزل المتزايد بين المسلمين ومواطنيهم المسيحيين في المشرق، دون أن يساهم في أي دعم أو تضامن مع المسلمين المضطهدين في مناطق العالم، بسبب خلفية مسيحية، أو سلوك مستفز لهم عبر هذه المرجعية الدينية لليمين المسيحي المتطرف، فلا يُمكن أن يُخلط كل المشهد ولا منهج التعامل، بناءً على معادلة الصراع.
وافتراق الفكرية الدينية لا يعني أن يتصارع الناس وتصدر بؤر النزاع لهم، بل على العكس، ومؤسف اليوم أن هذا الزغل المحتقن يحتشد حتى في المناسبات الاجتماعية أو الحوادث، ويرهن كل وصف وتعامل حميد وإحسان وسلوك تعايش بين الناس، بأنهُ تزكيةً لعقيدة ذلك الدين أو المذهب.
هذا في ذاته خروجٌ عن أحكام الإسلام التي طُبقت معادلة الإحسان فيها، مع مشركي العرب في الحجاز فضلاً عن أهل الكتاب، وكان بعضهم حلفٌ للنبي صلى الله عليه وسلم، مقابل النظام الجاهلي المستبد، أو ما كان في تاريخ المسلمين من تعاضد مع المسيحيين ضد الظلم والظلمة، فالنجاشي نفسه عند أول احتضانه للمسلمين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن قد آمن بالإسلام وكان على مسيحيته.
ولذلك فالموقف الذي يقفز دوماً، عن كون أن هذا الشخص أو ذلك المجتمع هو مجتمع مسيحي، لتبرير وضعه في إطار عقدي صراعي، هو خللٌ أساسي في فهم الإسلام، وهنا الأمر ليس في المشرق وحسب بل حتى في المهجر، وهو يهمنا كثيراً في المشرق والغرب، فالأمر ليس بهذه الصورة الحدية والمواجهة النفسية، نشرحها في المقال القادم بعون الله.
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةهذا الموضوع، رغم أهميّته البالغة، ولكنه من أكثر القضايا إهمالاً في حاضر العالم الإسلامي وفي امتدادات المهجر، ولقد سعيتُ لطرحه مراراً لتحريك التفكير فيه، من الموقف السلبي المصمت الذي يُغيّب مسارات مهمة، يحملها الفكر الإسلامي الرشيد، وقطعيات الدين الإسلامي، ويحتبس عند ركن الاختلاف العقدي، الذي لا شك فيه، ولكنَّ هذا الخلاف لا يمنع من تفعيل المسارات الإنسانية والتعاضدية، في المتفق المشترك مع أهل الكتاب، وفي القيم الروحية الجامعة، وأعيدُ طرحه هنا في مسار غاية في الحساسية، وهي رابطة المواطنة المهمة في حاضر العالم المسلم، وعلاقات مسلمي المهجر بالمجتمع المسيحي الغربي، في ظل صعود الإسلاموفوبيا ضدهم.
إن التباين الجذري بين عقيدة التوحيد الإسلامية والتثليث، وخلاف المسلمين مع المسيحيين على صحة كتابهم السماوي، قديم جداً، ولقد تضافرت آياتُ الكتاب العزيز بتسمية أهل الكتاب رغم وجود هذا التباين، وهو بحث متعدد الاستشهاد، لا يُمكن أن نحصره الآن، كما أن فكرة المركزية الصليبية في أوروبا تتجاوز مسألة الإثبات والتوثيق، فهي تاريخ سياسي دموي مؤكد، يطرح مقابله المسيحيون، حروباً شنها سلاطين أو حكاماً مسلمين اضطهدوا المسيحيين، رغم أن ذلك جرى في سياق سياسي استثمره المستبدون، ولم تكن هناك أي حرب في العهود الراشدة، تشن على أمم مسيحية لأنها مسيحية.
أما الجانب الثاني في الجدل المسيحي الإسلامي العاصف، هو خطاب التبشير الواسع، وهو مدعوم بصورة ضخمة في الغرب وبغطاء لوجستي رسمي، في مجالس كنائس ومنظمات، وإن لم يُعلن تبنيه رسمياً، في المقابل فإن الدعوة للتبشير الإسلامي بنطاقيه، الحواري التعريفي والجدلي المعاكس نشط، وله مؤسساته وشخصياته، وهنا يحتشد السباق ويتوتر.
والأمر في نهايته مرتبطٌ بقناعة الإنسان، في تحديد الدين الذي يُفسّر تاريخ حياته ووجوده، ويشعر معه بالسكينة التي قامت على طمأنينة روح ونظرات عقل، نؤمن بها كمسلمين أو يؤمن بها الطرف الآخر.
المركز الإشكالي الكبير في علاقتنا مع مسيحيي الشرق أو الغرب المسيحي، هو في حصر تلك العلاقة في إطار صراعي، وتجاهل ما نص عليه القرآن الكريم، وما كان مفعلاً في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهي أن هناك حالة خاصة مع الضمير المسيحي، تؤكد التعامل الإنساني الإحساني العام مع المختلف الديني، الذي ندب إليه الإسلام، هذا الوعي الفكري والتحرير الأخلاقي له في قناعة الشعوب، وفي سلوكها الأخلاقي، يقذف به دوماً في حلبات الصراع الشرسة، التي تفرضها معادلة النفوذ الكولونيالي للغرب السياسي، والتعامل الخطابي مع المدنيين المسيحيين من خلاله، وهو خطأٌ بالغ.
وهذا يخلط الموقف ويُسعّر الخطاب ويؤسس لفتن اجتماعية وصدامات أهلية، هي بالقطع من منهيات الشريعة، وهو يُعزّز العزل المتزايد بين المسلمين ومواطنيهم المسيحيين في المشرق، دون أن يساهم في أي دعم أو تضامن مع المسلمين المضطهدين في مناطق العالم، بسبب خلفية مسيحية، أو سلوك مستفز لهم عبر هذه المرجعية الدينية لليمين المسيحي المتطرف، فلا يُمكن أن يُخلط كل المشهد ولا منهج التعامل، بناءً على معادلة الصراع.
وافتراق الفكرية الدينية لا يعني أن يتصارع الناس وتصدر بؤر النزاع لهم، بل على العكس، ومؤسف اليوم أن هذا الزغل المحتقن يحتشد حتى في المناسبات الاجتماعية أو الحوادث، ويرهن كل وصف وتعامل حميد وإحسان وسلوك تعايش بين الناس، بأنهُ تزكيةً لعقيدة ذلك الدين أو المذهب.
هذا في ذاته خروجٌ عن أحكام الإسلام التي طُبقت معادلة الإحسان فيها، مع مشركي العرب في الحجاز فضلاً عن أهل الكتاب، وكان بعضهم حلفٌ للنبي صلى الله عليه وسلم، مقابل النظام الجاهلي المستبد، أو ما كان في تاريخ المسلمين من تعاضد مع المسيحيين ضد الظلم والظلمة، فالنجاشي نفسه عند أول احتضانه للمسلمين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن قد آمن بالإسلام وكان على مسيحيته.
ولذلك فالموقف الذي يقفز دوماً، عن كون أن هذا الشخص أو ذلك المجتمع هو مجتمع مسيحي، لتبرير وضعه في إطار عقدي صراعي، هو خللٌ أساسي في فهم الإسلام، وهنا الأمر ليس في المشرق وحسب بل حتى في المهجر، وهو يهمنا كثيراً في المشرق والغرب، فالأمر ليس بهذه الصورة الحدية والمواجهة النفسية، نشرحها في المقال القادم بعون الله.