+ A
A -
بعيون دامعةٍ وقلوبٍ تحترقُ حزناً وكمداً وغبناً صُدِمَ العالَمُ بعد مشاهدة الحلقة الموالية من مسلسل صناعة الموت، صُدِمَ العالَم في ما حَلَّ بمدينة نيس الفرنسية.
صدمة وأي صدمةٍ تعصفُ بِكَ حين تُبْصِرُ رصاصةَ الموت تَضْربُ إخوتَك في الإنسانية، تَضربُ أبرياء، وأكثر ما يزيد الصدمة جبروتا هو أن هذه الصدمةَ تُفْسِدُ على أهل نيس فرحتَهم العارمة بعيدهم الوطني المعروف بيوم الباستيل.
بأي حالٍ يعود عيدُهم هذا وقد تبخَّرَتْ فرحةُ العيد الذي كانوا يُحْيون طقوسَه متجمهرين محتفلين منتشين؟! مَنِ الذي سوَّلَتْ له نفسُه أن يسرقَ منهم الفرحَ؟! كيف تحوَّل الفرحُ إلى مأتمٍ؟! لماذا يُصِرُّ صُنَّاعُ الموت ومُريدوه على أن يعبثوا بأجساد بريئةٍ يُمَزِّقُها رصاصُهم؟! كيف يهون على هؤلاء الْمُخَرِّبين أن ينتشلوا لحظةَ الفرح التي لا تأتي إلا نادرا؟! كيف يرحمهم (المعتدين) من في السماء إن لم يرحموا هُمْ مَن في الأرض؟! كيف يعقل أن تَلبسَ نيس ثوبَ الحِداد في يوم عرسها؟! كيف يعقل أن يتحول ثوبُ العرسِ إلى كَفَن؟! مَصَّاصُو الدِّماء هؤلاء الذين أُصيبوا بِسُعَارٍ دموي إلى أين يأخذهم هوسُهم بتلوين الدنيا بالأحمر وزَرْعِ الموت في كل مكان وفي كل وقت وحين؟!..
أسئلة كثيرة تتفجَّرُ في داخلك وأنتَ تستنكر مثل هذا العمل الإرهابي الذي تَكْفُرُ به الدياناتُ، أسئلة من خلالها تَشْجُبُ أنتَ مخططاتِ الساهرين على الإبادة، إبادة الأبرياء الذين يُقتلون تباعا ولا يعرفون لِمَ يُقتلون!
يتحول العيدُ في نيس (المدينة السياحية الساحرة) إلى مهرجان، مهرجان للنطح والطحن بعد أن يتسلّل ثور هائج يقود شاحنةً ناطحة، ليؤدي عرضا صاخبا يتدافع فيه يمينا ويسارا بآلته الجهنمية التي لا تستثني طفلا ولا امرأة، فيطحن الكُلَّ (من باب الإعدام الجماعي ونشر ثقافة تسويق الموت) ويطحن مع الكُلِّ الفرحةَ التي يأخذ طعمُها مذاقَ العلقم، وها هو عيد الحرية عندهم يُسْتَعْبَدُ فيه الأحرارُ الذين يتمُّ جلدُهم بسوط الإرهاب.
إن لم يكنْ هؤلاء المدمِّرون للحياة مريدي توجُّهاتٍ تنتهجُها جماعات متطرِّفة تعتنقُ أفكارَ الموت فهل مِنَ المستساغ أن يعتبرهم الواحدُ مجانين ومختلّين؟! وإذا سلَّمنا بأن هؤلاء مختلّون، ألا نرى بأن المختلَّ غالبا يُلْحِقُ الضررَ بنفسه وليس من المشروط أن يُلْحِقَه بالآخرين؟! المختلُّ يفكر يقينا في أعمال انتحارية، لكن ليتخلَّص من نفسه التي يرفضُها كليا. أما هؤلاء المتمرِّدون على حياة الغير، فهم يرفضون الآخرَ، فيستهدفون خَلْقَ الله وأرضَ الله لا أنفسَهم هم، لكنهم يُقِرُّون في قرارة أنفسهم بأنهم إذا ما قُتِلوا فَلْيَكُنْ في سبيل الشهادة التي يؤمنون إيمانا مَرَضيا بفكرتها المجنونة، فمِن غير المعقول أن ينتصرَ العاقلُ لمغالَطاتٍ تُوهمُه بأنه بإرهابه وتخويفه للعشرات والمئات إنما يضعُ قَدماً على الجنة التي لا توجد إلا في عقلِه المريض!
أي فوزٍ هذا الذي يمكن أن يكون حليفَ تفكير همجي يعصفُ بأمن واستقرار البلاد والعباد؟! مِن أين لهؤلاء الْمُخرِّبين النوم والراحة وهُمْ لا يتوقفون عن ملء الأرض بالدماء؟! ألا يشعر الواحدُ منهم بتبكيت الضمير (تأنيبه)؟! ألا يتحرَّك وازِعُهم الديني النائم وهم يتأملون بني ملَّتهم الغارقين في محيطات من الدِّماء؟! ما ذنب الأطفال الذين يدوسُهم حذاءُ هؤلاء الجاهلين كُلَّ الجهل لحقيقة الدين والغافلين عن الرقابة الإلاهية والحساب الربَّاني؟!
كيف يمكن ردع مَنْ عشَّشَ في رأسه الفكرُ التخريبي، وكيف يأمل الواحدُ في إيقاف مسلسل الدماء والدموع الذي كُلَّما تَوهَّمنا دُنُوَّ موعدِ حلقته الأخيرة إذا بصُنَّاع دراما الواقع التراجيدية يُضاعِفون من تأليف سيناريوهاته التي يُعْجَبون بأدوارهم فيها إعجابا نرجسيا؟!
بقلم : سعاد درير
copy short url   نسخ
21/07/2016
1993