عن عبد الله ابن أختِ مُسلم بن سعد أنه قال: أردتُ الحجَّ فأعطاني خالي مسلمٌ عشرة آلاف درهمٍ وقال: إذا قدمتَ المدينةَ فانظُرْ أفقرَ بيتٍ بالمدينةِ فأعطهم إياها.
فلمَّا دخلتُ سألتُ عن أفقر بيتٍ في المدينة، فدُلِلْتُ على أهلِ بيتٍ، فطرقتُ الباب، فأجابتني امرأة: من أنت؟
قلتُ: أنا رجلٌ من أهلِ بغداد، أُودِعْتُ عشرة آلاف درهم، وأُمِرُتُ أن أُعطيَها إلى أفقرِ بيتٍ في المدينة، وقد دُلِلْتُ عليكم، فخُذوها!
فقالت: إنَّ صاحبك اشترطَ أفقر بيتٍ في المدينة، وجيراننا أفقر منا!
فتركتُهُم، وأتيتُ جيرانهم، فأجابَتْني امرأة بما أجابتني به تلكَ المرأة ودلَّتني على جارتها!
فقلتُ لها: لقد قالتْ مثل مقالتكِ، ودلَّتني عليكِ!
فقالت: نحن في الفقرِ سواء، فإن لم يكُنْ من بُد، فاقسمها بيننا!
الجوعُ الحقيقي في النفسِ لا في المعدة، والشبعُ الحقيقي في العينِ لا في البطن!
من كانتْ نفسه جائعة، وعينه فارغة، فلن يشبعَ ولو أُعطِيَ الدُنيا كلها، سيبقى ينظرُ إلى ما في أيدي الناس!
ومن شبعتْ نفسه، وامتلأتْ عينه، تجده قد امتلأَ بالرضا، فلا ينظر إلى لقمةِ غيره، ولا يحسد أحداً على نعمة، يسألُ اللهَ الخيرَ للناس، وهو أفقرهم إليه!
كنتُ شاهداً على حوادث جعلتني أؤمنُ بما أقولُهُ عن جُوعِ العين، وجَشَعِ النفس!
رأيتُ بعيني فُقراء حُمِلتْ إليهم المُساعدات، فكانوا يُرشِدون على من يظنون أنه أفقر منهم حالاً، رغم أنَّهم واللهِ فُقراء!
وبعضُ الذين كانَ من المُفترضِ أن يقوموا هم بمساعدةِ الناس، كانوا يُقيمون الدُنيا ولا يُقعِدونها، لأجلِ ربطةِ خبزٍ وكيسِ حليب، أُعطِيَ لفقيرٍ ولم يُعطَ إليهم!
جمعوا المذماتِ كلها، البخل، والجشع، وسوء الجوار، واتهام الناس في أمانتهم!
فاللهمَّ قلباً قانعاً، وعيناً ممتلئةً، ونفساً مُستغنية!