+ A
A -
حديثُ ليبراليّ عربيّ عن الحُريّة كحديث هيفا وهبي أنّ المصحف لا يغادر محفظتها، كلاهما ينطبقُ عليه المثلُ الشعبيّ: أسمع كلامكَ أصدقكَ، أشوف أموركَ أستعجب!
يتّفقُ فقهاءُ السّياسة على ندرة ما يتّفقون، أنّ الليبرالية نشأتْ في الغرب كرد فعلٍ على الاضطهاد الكنسيّ، ثمّ ما لبثتْ بعد أن اشتدّ عودها أن أزاحتْ الكنيسة عن مشهد الحياة، وقسّمت الأدوار في المجتمع وفق مقولتهم الشّهيرة: ما لله لله، وما لقيصر لقيصر! ووفقَ هذا المبدأ تكون حصة الله هي الأديرة والكنائس، وبقيّة الأرض هي حصة قيصر! ثمّ اتخذتْ الليبرالية النّظام الرأسمالي شرعةً اقتصادية، وهكذا اكتملتْ المنظومة الغربيّة الحاكمة، والتي لا تزال سارية إلى اليوم!
ولأنّه لا بدّ لأي منظومة فكريّة من مبدأ عام تستقي منه تشريعاتها الأخرى، نجد أن الشيوعيّة قائمة كما يقول منظّروها على مبدأ المساواة، بينما تقوم المنظومة الفكريّة الإسلامية على مبدأ العدل، فإنّ الليبراليّة تقوم على مبدأ الحُرّية المطلقة، حرّية الأفراد، وحريّة حركة رؤوس الأموال، وحريّة الإعلام، الخ الخ...
وليس من شأن هذا المقال أن يُناقش الليبراليّة الغربيّة بما تُؤمن، ولكن بما أنّ بيننا عرباً متلبررين يُناقشوننا بما نعتقد، فلنناقشهم بما يعتقدون، وليكن الحديث بالوقائع والأدلة والحوادث كي لا يكون تنظيراً وتجنّياً!
ثار الشّعب المصريّ على حكم مبارك، وكان من نتائج هذه الثّورة إزاحته عن الحكم، وتنظيم انتخابات أفضتْ لتولي محمد مرسي رئاسة الجمهورية، وهي انتخابات باركها الغرب لأنّ من حقّ الشّعب أن يختار حاكمه! ثمّ ما كاد العام الأول أن ينتهي حتى شهدنا انقلاباً عسكرياً أهلكَ الحرث والنّسل، ووقفَ المتلبررون العرب عن آخرهم مع هذا الانقلاب، وقفوا مع الدّبابة ضدّ صندوق الاقتراع، ومع الرّصاصة ضدّ صدر من خرج يسأل عن صوته في لعبة الديمقراطيّة التي يُقدّسها الليبراليون تقديس بني إسرائيل لعجل السّامريّ! وقفوا مع النّار ضدّ أجساد معتصمي رابعة، فأين ليبراليتكم أيها القوم، وأين الحُرّية التي تُنادون بها؟!
وجاء الانقلاب الفاشل في تركيا، وأكّد لنا متلبررونا أنّ موقفهم في مصر لم يكن زلّة موقف، فقد تكرر بحذافيره في تركيا، مرّة أخرى يقف أدعياء الحرّية مع الدّبابة ضد صندوق الاقتراع!
يُعتقل حمزة كاشغري بتهمة الإساءة للنبيّ فلا يبقى متلبرر واحد إلا ويثور ويسأل: أين حرّية التعبير؟! ويُعتقل عبدالعزيز الطريفي بسبب رأي فلا تسمع لهم صوتاً! لو اعتقلت راقصة في أبعد بقعة عن متلبرر ثار، ولو هذه لمعرفتكم أنه لا يقرب الراقصات أحد! وإذا اعتقل داعية بسبب رأي لما انتقد هذا المتلبرر الذي يسكن قربه! فالحرّية الوحيدة التي يُؤمن بها متلبررونا هي حرّية الوقوف ضدّ ما له علاقة بالإسلام، بغضّ النّظر عن رضانا التام عن هذا الفهم للإسلام من عدمه! وهذا من المضحكات التي حدثتْ فعلاً، ففي انقلاب تركيا كان السلفيون والتحريريون والصوفيون والجهاديون والإخوان بطبيعة الحال ضد الانقلاب على اختلافهم في الديمقراطية، ووقف متلبررونا معه على إيمانهم بها!
يكفي لكم رداً ما قاله نعوم تشومسكي، اليهوديُّ الأكثر نُبلاً منكم جميعاً: إذا كُنّا لا نُؤمن بحرية التعبير لمن يخالفوننا فنحن لا نؤمن بها على الإطلاق! وعظّم الله أجركم في جنرالات اسطنبول وفي مبادئكم، وشدّوا حيلكم، وكل انقلاب فاشل وأنتم بخير، ولا غالب إلا الله!
بقلم : أدهم شرقاوي
يتّفقُ فقهاءُ السّياسة على ندرة ما يتّفقون، أنّ الليبرالية نشأتْ في الغرب كرد فعلٍ على الاضطهاد الكنسيّ، ثمّ ما لبثتْ بعد أن اشتدّ عودها أن أزاحتْ الكنيسة عن مشهد الحياة، وقسّمت الأدوار في المجتمع وفق مقولتهم الشّهيرة: ما لله لله، وما لقيصر لقيصر! ووفقَ هذا المبدأ تكون حصة الله هي الأديرة والكنائس، وبقيّة الأرض هي حصة قيصر! ثمّ اتخذتْ الليبرالية النّظام الرأسمالي شرعةً اقتصادية، وهكذا اكتملتْ المنظومة الغربيّة الحاكمة، والتي لا تزال سارية إلى اليوم!
ولأنّه لا بدّ لأي منظومة فكريّة من مبدأ عام تستقي منه تشريعاتها الأخرى، نجد أن الشيوعيّة قائمة كما يقول منظّروها على مبدأ المساواة، بينما تقوم المنظومة الفكريّة الإسلامية على مبدأ العدل، فإنّ الليبراليّة تقوم على مبدأ الحُرّية المطلقة، حرّية الأفراد، وحريّة حركة رؤوس الأموال، وحريّة الإعلام، الخ الخ...
وليس من شأن هذا المقال أن يُناقش الليبراليّة الغربيّة بما تُؤمن، ولكن بما أنّ بيننا عرباً متلبررين يُناقشوننا بما نعتقد، فلنناقشهم بما يعتقدون، وليكن الحديث بالوقائع والأدلة والحوادث كي لا يكون تنظيراً وتجنّياً!
ثار الشّعب المصريّ على حكم مبارك، وكان من نتائج هذه الثّورة إزاحته عن الحكم، وتنظيم انتخابات أفضتْ لتولي محمد مرسي رئاسة الجمهورية، وهي انتخابات باركها الغرب لأنّ من حقّ الشّعب أن يختار حاكمه! ثمّ ما كاد العام الأول أن ينتهي حتى شهدنا انقلاباً عسكرياً أهلكَ الحرث والنّسل، ووقفَ المتلبررون العرب عن آخرهم مع هذا الانقلاب، وقفوا مع الدّبابة ضدّ صندوق الاقتراع، ومع الرّصاصة ضدّ صدر من خرج يسأل عن صوته في لعبة الديمقراطيّة التي يُقدّسها الليبراليون تقديس بني إسرائيل لعجل السّامريّ! وقفوا مع النّار ضدّ أجساد معتصمي رابعة، فأين ليبراليتكم أيها القوم، وأين الحُرّية التي تُنادون بها؟!
وجاء الانقلاب الفاشل في تركيا، وأكّد لنا متلبررونا أنّ موقفهم في مصر لم يكن زلّة موقف، فقد تكرر بحذافيره في تركيا، مرّة أخرى يقف أدعياء الحرّية مع الدّبابة ضد صندوق الاقتراع!
يُعتقل حمزة كاشغري بتهمة الإساءة للنبيّ فلا يبقى متلبرر واحد إلا ويثور ويسأل: أين حرّية التعبير؟! ويُعتقل عبدالعزيز الطريفي بسبب رأي فلا تسمع لهم صوتاً! لو اعتقلت راقصة في أبعد بقعة عن متلبرر ثار، ولو هذه لمعرفتكم أنه لا يقرب الراقصات أحد! وإذا اعتقل داعية بسبب رأي لما انتقد هذا المتلبرر الذي يسكن قربه! فالحرّية الوحيدة التي يُؤمن بها متلبررونا هي حرّية الوقوف ضدّ ما له علاقة بالإسلام، بغضّ النّظر عن رضانا التام عن هذا الفهم للإسلام من عدمه! وهذا من المضحكات التي حدثتْ فعلاً، ففي انقلاب تركيا كان السلفيون والتحريريون والصوفيون والجهاديون والإخوان بطبيعة الحال ضد الانقلاب على اختلافهم في الديمقراطية، ووقف متلبررونا معه على إيمانهم بها!
يكفي لكم رداً ما قاله نعوم تشومسكي، اليهوديُّ الأكثر نُبلاً منكم جميعاً: إذا كُنّا لا نُؤمن بحرية التعبير لمن يخالفوننا فنحن لا نؤمن بها على الإطلاق! وعظّم الله أجركم في جنرالات اسطنبول وفي مبادئكم، وشدّوا حيلكم، وكل انقلاب فاشل وأنتم بخير، ولا غالب إلا الله!
بقلم : أدهم شرقاوي