+ A
A -
ما بين العين والحنجرة،ً مسافة لا يتعدى طولها سنتميترات قليلة، لكن ما بين غمزة العين وصرخة الحنجرة مسافة تمتد من القدس إلى بكين.
في ساحة بلدتي دير غسانة،ً شمال غرب رام الله، وعاصمة عائلتي التي كان شيخها عمر الصالح يفكر في إعلانها إمارة مستقلة عن الدولة العثمانية عام 1914، وأطلق رصاصته الأولى تزامناً مع إطلاق الحسين بن على رصاصته الأولى معلنا الثورة على العثمانيين، لكن اندلاع الحرب العالمية الأولى وانتصار الغرب على العثمانيين حطم آماله وأحلامه فقد خرج العالم العربي مهزوما مقسما مستعمرا وبدأت المقاومة، توقف حلم شيخ قبيلتي واستمرت الحياة.
في تلك الساحة كان عازف الناي يشجي الحضور بألحانه وتقسيماته والأكف تصفق، والأرجل تدق الارض، والدبكة يرتفع إيقاعها ويكاد قائد الفرقة ان يطير بفرقته إلى السماء، وبالكاد أصابع أقدامهم تلامس الارض ويدور الحضور، ومع إيقاعات النغم.. ويرتفع صوت شاعر العرس:
يا ليل الجفا على قلبي ما أمره
آه يا المعنى يللي حبيبه ما مره
حبيبي يللي كانت حارتي ممره
عود لا تطول الغياب
يسكت الشاعر هنيهة ويكاد الراقصون يهدأون، فيبعث عازف الناي بنغمة ترفع الإيقاع فيشع الجمال من فوق الشرفات المطلة على ساحة الحفل،ً شابات يبحثن في عتمة الليل عن نور عاشق يبحث عن من تشبع الرغبة الملتهبة فتلوح من فوق الشرفة اليمنى، فيقفز بخفة إلى وسط الراقصين بأعلى صوته يشدو موجها لها نبضه
«غطي جبينك نورك شع
بجمالك كهربتيني
غمزة عيني بترمي السبع
بغمزة عينك ترميني»
ويسقط على الارض مغشيا عليه
فتشهق من خصها بنبضه
وتضع يدها على قلبها وتسرع اليه تشق الصفوف وما ان لمست نبض يده حتى انتفض واقفاً مبتسما
وبسحبة من الناي
يعلن «اللويح» عن سعادته ليردد العرس من بعده
تنهى يا قلب تهنى
وخلي القلب الو رنة
بكرة بتعود الأيام
وبنرجع مثل ما كنا
همست إحداهن لزميلتها وقد أحمرت وجنتاها
ابنة المختار تعشق «اللويح»
وسرت الهمسات بين الحضور وانتشرت في البلد
واللويح من الكادحين
غضب المختار وزبد وارعد وهدد
وحين اعلنت البنت حبها للويح
وجاء لطلب يدها طرده المختار وقرر تزويجها
لابن صديق مختار البلدة المجاورة
ويوم زفافها هام في البراري
وقد أصابه مس، قالوا مجنون!
اعتزل ومات في عزلته مرددا اسمها.
بقلم : سمير البرغوثي
copy short url   نسخ
23/07/2016
754