ما إن وضعت المواجهات المسلحة في العاصمة طرابلس أوزارها حتى بادرت تركيا بدعوة رؤوس النزاع الراهن في محاولة لاحتواء الأزمة والتمهيد لاتفاق يمنع الانزلاق إلى الحرب ويؤسس للانتخابات التي تمثل محور الاتفاق في الداخل والخارج.. فقد حضر رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، يرافقه محافظ المصرف المركزي، وبعض الوزراء، فيما لم يصحب رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب، فتحي باشاغا، مسؤولون بحكومته، وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي أن مرافقيه كانوا من حلفائه السياسيين في الحزب الديمقراطي.الدبيبة بدا معتدا بحكومته كثيرا وتحدث، عقب اجتماعه مع الرئيس التركي أردوغان، عن اتفاق على خريطة طريق للانتخابات، وأن أنقرة تعتبره المسؤول عن الإشراف على الانتخابات، وأنه لا مكان لحكومة باشاغا في المشهد، ويبدو أن هناك لبسا، فقراءة التطورات في المشهد السياسي داخليا وخارجيا تشير إلى رغبة واستعداد تركي للتقارب مع جبهة طبرق ـ الرجمة والتفاهم مع مصر فيما يتعلق بالملف الليبي، وإذا كان هذا التفسير واقعيا فإن أنقرة ستجد صعوبة في تطوير علاقاتها مع جبهة طبرق ـ الرجمة ومن خلفهما القاهرة مع الإصرار على تسليم عهدة الانتخابات لحكومة الوحدة الوطنية.هذا الاتجاه في رسم ملامح المشهد الليبي والذي عبر عنه الدبيبة في تصريحاته الصحفية عقب زيارته لتركيا محتمل في حالة واحدة وهي مزيد من التقارب بين الدبيبة وحفتر على غرار ما وقع في ملف النفط من تعيين فرحات بن قدارة كرئيس للمؤسسة الوطنية للنفط في مقابل فتح الحقول والموانئ.ما يعزز هذا السيناريو هو فشل التعويل على باشاغا في تغيير المعادلة وتمكين حفتر من القرار العسكري والمالي، فالمواجهات الأخيرة ربما حسمت موضوع دخول الحكومة المدعومة من طبرق والرجمة لطرابلس وأنهت الأمل في تحقيقه.ولأن البدائل باتت محدودة جدا أمام حفتر، فهو لا يستطيع معاودة الكرة والهجوم على العاصمة، فالنتيجة معلومة سلفا، وإذا فعل فستكون ربما الضربة القاضية، فليس أمامه إلا جرعة إضافية من البراغماتية ومحاولة تحصيل بعض ما كان يأمل في تحصيله بدعمه لباشاغا من خلال مزيد من التقارب مع الدبيبة.أمام هذا الصخب والتجاذب يمكن أن يكون خيار التوافق على حكومة ثالثة هو ما يجمع أكثر الفاعلين في الجبهتين، الغربية والشرقية، وقد تحدثت بعض المصادر المطلعة أنه طرح على طاولة البحث عن مخرج للنزاع الحكومي في أنقرة، ولقد كان هذا الخيار ممكنا قبل المواجهات الأخيرة والرفض يبدو أنه جاء من باشاغا، اليوم وبعد تغير أوزان أطراف المعادلة السياسية والأمنية كنتيجة للمواجهات الأخيرة في العاصمة، قد يأتي التعنت من الدبيبة.