في 2003 قبيل الغزو الأميركي للعراق صوّت البرلمان التركي، على رفض استخدام واشنطن لقاعدة انجرليك في تركيا، في غزو العراق، وللمفارقات فإن أحد أهم الدلائل على علم واشنطن، بمحاولة الانقلاب الفاشل في 15 يوليو، كان أن هذه القاعدة قد استُخدم فيها القسم التركي بكثافة لطلعات وقصف مواقع الدولة ومقر قياداتها الحيوية، وهذا لا يمكن أبداً، دون اطلاع واشنطن على نواياهم. حينها أي عام 2003، لم تكن حكومة العدالة، قادرة على مواجهة الجيش التركي لو رأى مخالفتها، لكن ما يُرجّح لتبرير ترك الجيش لقرار الحكومة أن يصدر ويطبق، هو عدم رغبة الضباط الكماليين حينها، في مصادمة مبكرة مع الديمقراطية الجديدة والبرلمان المنتخب.
كما أن هذا الموقف سمح للقيادة الكمالية المتحكمة في الجيش، من إرسال رسالة لواشنطن عن أن رهانهم على إمكانية التعامل مع الإسلاميين الديمقراطيين ستكون مكلفة لهم، في مقابل التعامل مع الجيش، وبالطبع لم تتأزم علاقة واشنطن بأنقرة، رغم انتقاد الإعلام الأميركي لتصويت البرلمان، فقد كانت مساحة التعاون القائم جزءا منها إلى اليوم، حيوية في المسارات السياسية والعسكرية المختلفة مع واشنطن، عبر الناتو وغيره.
اليوم قد تتغيّر قواعد اللعبة كثيرا، لو استكمل أردوغان وحكومته، هيكلة القوات المسلحة المتوقع قبل سبتمبر، وكانت أزمة العلاقة بين حكومة بغداد الموالية لإيران، قد اشتعلت عند اعتقاد الإيرانيين أن التواجد التركي الرمزي البسيط قرب الموصل، قد يمنع طهران من بسط سيطرتها عبر الحشد أو غيره على مدينة الموصل.
وهنا الصراع حسّاس جداً، وخطير على مجمل الحكم الطائفي للعملية السياسية التي دشنها الاحتلال في العراق، فأي تصور عن عزل الموصل بعد انسحاب داعش، عن نفوذ إيران المباشر وهيمنة ميلشياتها الإرهابية، يعني بالضرورة، عرقلة بسط المشروع الجديد للبيت الشيعي، بعد إعادة هيكلته من إيران.
ولقد انزعجت بغداد من تواصل العشائر السنية، في الموصل مع انقرة سابقاً، لتأمين المدنيين من بطش داعش الانتقامي وبطش الحشد الإرهابي، الذي كان من الممكن أن تقوم به قوات مشتركة، عمادها مفرزة عسكرية تركية، وقد دعمت واشنطن موقف طهران، الرافض لأي تأمين لمدنيي الموصل عبر تركيا، ولقد تراجع هذا المقترح مؤخراً، وخاصة بعد الأزمة الروسية- التركية.
لكن ما جرى من تغيير سياسي كبير في أنقرة، لمصلحة أردوغان وسيادة الدستور على الجيش قد يعيد المقترح بصورة أكبر، ولدى الأتراك إشكاليات كبيرة في مراجعة أخطاء سياستهم الخارجية، بما فيها ترك فصائل الثورة تحت فتك السلفية الجهادية، والذي انتهى إلى تهديد أمنهم القومي وتفتيت ميدان ثورة سوريا، في حين كان بإمكانهم تعديل هذه المعادلة.
وترك إيران اليوم، وهي حليفة للمشروع الغربي لأكراد سوريا على الحدود التركية، تعيد بسط سيطرتها على العراق، وسحق سنته وإعادة توزيعهم الديمغرافي، سيؤثر قطعا على تركيا، ويعزز مشروع الاستقلال الكردي.
في حين ممكن جداً، أن تعاد صياغة هذا المشروع، بالتنسيق مع مسعود برزاني وبناء عربي قوي، لا يتورط في اجتياح الموصل، ولكن يدخلها أول انسحاب داعش المتوقع.
وليس المقصود مواجهة مع واشنطن، ولكن تنسيق الضغوط عليها بالتعاون مع الرياض، لخلق قبول اضطراري يؤمّن المدينة بإدارة مدنية، ثم شرطة محلية بعيدا عن هيمنة إيران.
حينها ستَخلُق أنقرة مصلحة استراتيجية لها، وتُثبّت أول قواعد صناعة العملية السياسية الجديدة لسنة وشيعة العراق، والتي ستعيد التوازن لدول المنطقة، ومصالحها أمام إيران وأمام المشروع الدولي الحليف لها، كما أنه قد يبدأ بفتح تهدئة للعلاقات الطائفية، تنقذها من إرهاب داعش وإرهاب إيران معا.
بقلم : مهنا الحبيل
كما أن هذا الموقف سمح للقيادة الكمالية المتحكمة في الجيش، من إرسال رسالة لواشنطن عن أن رهانهم على إمكانية التعامل مع الإسلاميين الديمقراطيين ستكون مكلفة لهم، في مقابل التعامل مع الجيش، وبالطبع لم تتأزم علاقة واشنطن بأنقرة، رغم انتقاد الإعلام الأميركي لتصويت البرلمان، فقد كانت مساحة التعاون القائم جزءا منها إلى اليوم، حيوية في المسارات السياسية والعسكرية المختلفة مع واشنطن، عبر الناتو وغيره.
اليوم قد تتغيّر قواعد اللعبة كثيرا، لو استكمل أردوغان وحكومته، هيكلة القوات المسلحة المتوقع قبل سبتمبر، وكانت أزمة العلاقة بين حكومة بغداد الموالية لإيران، قد اشتعلت عند اعتقاد الإيرانيين أن التواجد التركي الرمزي البسيط قرب الموصل، قد يمنع طهران من بسط سيطرتها عبر الحشد أو غيره على مدينة الموصل.
وهنا الصراع حسّاس جداً، وخطير على مجمل الحكم الطائفي للعملية السياسية التي دشنها الاحتلال في العراق، فأي تصور عن عزل الموصل بعد انسحاب داعش، عن نفوذ إيران المباشر وهيمنة ميلشياتها الإرهابية، يعني بالضرورة، عرقلة بسط المشروع الجديد للبيت الشيعي، بعد إعادة هيكلته من إيران.
ولقد انزعجت بغداد من تواصل العشائر السنية، في الموصل مع انقرة سابقاً، لتأمين المدنيين من بطش داعش الانتقامي وبطش الحشد الإرهابي، الذي كان من الممكن أن تقوم به قوات مشتركة، عمادها مفرزة عسكرية تركية، وقد دعمت واشنطن موقف طهران، الرافض لأي تأمين لمدنيي الموصل عبر تركيا، ولقد تراجع هذا المقترح مؤخراً، وخاصة بعد الأزمة الروسية- التركية.
لكن ما جرى من تغيير سياسي كبير في أنقرة، لمصلحة أردوغان وسيادة الدستور على الجيش قد يعيد المقترح بصورة أكبر، ولدى الأتراك إشكاليات كبيرة في مراجعة أخطاء سياستهم الخارجية، بما فيها ترك فصائل الثورة تحت فتك السلفية الجهادية، والذي انتهى إلى تهديد أمنهم القومي وتفتيت ميدان ثورة سوريا، في حين كان بإمكانهم تعديل هذه المعادلة.
وترك إيران اليوم، وهي حليفة للمشروع الغربي لأكراد سوريا على الحدود التركية، تعيد بسط سيطرتها على العراق، وسحق سنته وإعادة توزيعهم الديمغرافي، سيؤثر قطعا على تركيا، ويعزز مشروع الاستقلال الكردي.
في حين ممكن جداً، أن تعاد صياغة هذا المشروع، بالتنسيق مع مسعود برزاني وبناء عربي قوي، لا يتورط في اجتياح الموصل، ولكن يدخلها أول انسحاب داعش المتوقع.
وليس المقصود مواجهة مع واشنطن، ولكن تنسيق الضغوط عليها بالتعاون مع الرياض، لخلق قبول اضطراري يؤمّن المدينة بإدارة مدنية، ثم شرطة محلية بعيدا عن هيمنة إيران.
حينها ستَخلُق أنقرة مصلحة استراتيجية لها، وتُثبّت أول قواعد صناعة العملية السياسية الجديدة لسنة وشيعة العراق، والتي ستعيد التوازن لدول المنطقة، ومصالحها أمام إيران وأمام المشروع الدولي الحليف لها، كما أنه قد يبدأ بفتح تهدئة للعلاقات الطائفية، تنقذها من إرهاب داعش وإرهاب إيران معا.
بقلم : مهنا الحبيل