«الغرب ليسوا عباقرة، ونحن لسنا أغبياء، هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل!».
هذه أشهر مقولة لأحمد زويل، حتى أنّها تكاد تكون أشهر منه! ولستُ بصدد مناقشة شهرته، فالشهرة في هذا الوطن العربي لا يمكن التعويل عليها في تقييم شخص، فبتنورة طولها شبر بإمكان امرأة أن تُصبح أكثر شهرةً من الخنساء! والذين يعرفون شاكيرا هم أضعاف مضاعفة من الذين يعرفون علي عزت بيغوفيتش! ولستُ بصدد مناقشة نظرية الفيمتو ثانية، فهذا شيء لا أفهم فيه، ولا أجد حرجاً أن أخبركم أنّ مادة الكيمياء كانت أبغض المواد عندي، وطوال حياتي الدراسية الممتدة ومن الروضة حتى الدكتوراه لم ألتقِ بمادة أكثر غثاثة منها! ولكن ما أريد مناقشته هو موقف النّاس من شخص أحمد زويل!
مات الرجلُ وأفضى إلى ما قدّم، وكالعادة انقسم الناس في بلادنا إلى قسمين، قسم يراه ملاكاً، وعالماً نحريراً، رفع اسم العرب عالياً، وأثبت أن العقل العربيّ متى تهيّأت له الظروف أبدع.. وقسم يراه شيطاناً رجيماً، تربّى في حضن الغرب ورضع حليبه، ولولا موقفه من إسرائيل لما حاز على نوبل أساساً!
بالنّسبة لي أحمد زويل ليس ملاكاً ولا شيطاناً، إنه مثلنا جميعنا إنسان يُخطئ ويصيب، ولكننا قوم متطرفون، حين نحب فإننا نحب بجنون، وحين نبغض فإننا نبغض بتطرّف! ولم يكن زويل الأول الذي أحاله بعضنا إلى الجنّة وبعضنا الآخر إلى النار، ولن يكون الأخير!
والذين ينتقدون نبوغه في الغرب نسوا أننا أبطال العالم في قتل المواهب، وأنّ موهوبين كثرا دفناهم أحياء لأننا لم نوفر لهم ما وجده أحمد زويل في الغرب، ولو وجدوا هذا في بلادنا لكان بإمكانهم أن يكونوا أكثر نبوغاً وتأثيراً منه، ولكن حتى الطيور عندما لا يعود وطنها ملائماً للعيش تهجره! ولا تعود إليه إلا وقد صار صالحاً للحياة، فبدل أن ننتقد الذين هربوا منا خشية وأدنا لهم فلنصلح هذا الوطن الرازح تحت نير الجهل والاستبداد!
نجحَ أحمد زويل في حياته بحصد جائزة نوبل باقتدار، ورسب في امتحان الأخلاق بخزي! فقد ساهم في تطوير قدرات صواريخ إسرائيل التّدميريّة، وكرمته تل أبيب بجائزة ولف، ووقف في الكنيست خطيباً ذا مهانة! وعند موته نعاه أفخاي أدرعي في تويتر، ورثته السّفارة الإسرائيلية في القاهرة، وبالنسبة لي تزكية إسرائيل لشخص هي تهمة! ولكنها ليست المرة الأولى في تاريخنا التي يبرع فيها عالم في علمه وينحدر في أخلاقه، فقد سبقه إلى هذا نصير الدين الطوسي! كان الرجل أحد أفذاذ علم الفلك، وربطته علاقة وثيقة بهولاكو بدأت عندما تنبأ الطوسي لهولاكو بحدوث خسوف فصدقت حساباته، وكان هولاكو مولعاً بالتنجيم، فقرّبه منه وأدناه، واستغل الطوسي هذه العلاقة، وأغرى هولاكو بغزو بغداد، فتوجه إليها، وقتل الخليفة العباسيّ فيها، وألقى الهمجيّ إرث العرب الثقافي في نهر دجلة حتى صار ماؤه أزرقَ من حبر الكتب، وقتل الآلاف! ولكن الطوسي استطاع أن يأخذ من هولاكو عهداً يقضي بتوجهه إلى باب الحلبة وإعطاء الأمان لكل من يخرج من هناك، واستطاع إنقاذ عدد لا بأس به من الكتب، كما أمّن حياة بعض العلماء كان منهم ابن الفوطيّ..
لقد خلط الرجلان عملاً صالحاً وآخر سيئاً، ويبقى السؤال، أيغفر هذا الصالح ذاك السّيئ؟! شخصياً لا أعتقد!
الجنّة لله يدخلها من يشاء برحمته، والنّار لله يدخلها من يشاء بعدله، فلنترك هذا الأمر لله، ولنصلح دنيانا، لأن الدنيا العوجاء لا تُوصِل إلى الله! وقتل المواهب جريمة تُعادل قتل الأنفس وإن كان لا يُعاقب عليها القانون! وإن كان لنا الحق في محاسبة الناس على مواقفهم في الحياة، فيجب ألا يغيب عن بالنا أننا وضعناهم في ظروف نتجتْ عنها هذه المواقف! ولا نكن كمن قال فيه الشّاعر:
ألقاه في اليمّ مكتوفاً وقال له
إياك إياك أن تبتلّ بالماء!
بقلم : أدهم شرقاوي
هذه أشهر مقولة لأحمد زويل، حتى أنّها تكاد تكون أشهر منه! ولستُ بصدد مناقشة شهرته، فالشهرة في هذا الوطن العربي لا يمكن التعويل عليها في تقييم شخص، فبتنورة طولها شبر بإمكان امرأة أن تُصبح أكثر شهرةً من الخنساء! والذين يعرفون شاكيرا هم أضعاف مضاعفة من الذين يعرفون علي عزت بيغوفيتش! ولستُ بصدد مناقشة نظرية الفيمتو ثانية، فهذا شيء لا أفهم فيه، ولا أجد حرجاً أن أخبركم أنّ مادة الكيمياء كانت أبغض المواد عندي، وطوال حياتي الدراسية الممتدة ومن الروضة حتى الدكتوراه لم ألتقِ بمادة أكثر غثاثة منها! ولكن ما أريد مناقشته هو موقف النّاس من شخص أحمد زويل!
مات الرجلُ وأفضى إلى ما قدّم، وكالعادة انقسم الناس في بلادنا إلى قسمين، قسم يراه ملاكاً، وعالماً نحريراً، رفع اسم العرب عالياً، وأثبت أن العقل العربيّ متى تهيّأت له الظروف أبدع.. وقسم يراه شيطاناً رجيماً، تربّى في حضن الغرب ورضع حليبه، ولولا موقفه من إسرائيل لما حاز على نوبل أساساً!
بالنّسبة لي أحمد زويل ليس ملاكاً ولا شيطاناً، إنه مثلنا جميعنا إنسان يُخطئ ويصيب، ولكننا قوم متطرفون، حين نحب فإننا نحب بجنون، وحين نبغض فإننا نبغض بتطرّف! ولم يكن زويل الأول الذي أحاله بعضنا إلى الجنّة وبعضنا الآخر إلى النار، ولن يكون الأخير!
والذين ينتقدون نبوغه في الغرب نسوا أننا أبطال العالم في قتل المواهب، وأنّ موهوبين كثرا دفناهم أحياء لأننا لم نوفر لهم ما وجده أحمد زويل في الغرب، ولو وجدوا هذا في بلادنا لكان بإمكانهم أن يكونوا أكثر نبوغاً وتأثيراً منه، ولكن حتى الطيور عندما لا يعود وطنها ملائماً للعيش تهجره! ولا تعود إليه إلا وقد صار صالحاً للحياة، فبدل أن ننتقد الذين هربوا منا خشية وأدنا لهم فلنصلح هذا الوطن الرازح تحت نير الجهل والاستبداد!
نجحَ أحمد زويل في حياته بحصد جائزة نوبل باقتدار، ورسب في امتحان الأخلاق بخزي! فقد ساهم في تطوير قدرات صواريخ إسرائيل التّدميريّة، وكرمته تل أبيب بجائزة ولف، ووقف في الكنيست خطيباً ذا مهانة! وعند موته نعاه أفخاي أدرعي في تويتر، ورثته السّفارة الإسرائيلية في القاهرة، وبالنسبة لي تزكية إسرائيل لشخص هي تهمة! ولكنها ليست المرة الأولى في تاريخنا التي يبرع فيها عالم في علمه وينحدر في أخلاقه، فقد سبقه إلى هذا نصير الدين الطوسي! كان الرجل أحد أفذاذ علم الفلك، وربطته علاقة وثيقة بهولاكو بدأت عندما تنبأ الطوسي لهولاكو بحدوث خسوف فصدقت حساباته، وكان هولاكو مولعاً بالتنجيم، فقرّبه منه وأدناه، واستغل الطوسي هذه العلاقة، وأغرى هولاكو بغزو بغداد، فتوجه إليها، وقتل الخليفة العباسيّ فيها، وألقى الهمجيّ إرث العرب الثقافي في نهر دجلة حتى صار ماؤه أزرقَ من حبر الكتب، وقتل الآلاف! ولكن الطوسي استطاع أن يأخذ من هولاكو عهداً يقضي بتوجهه إلى باب الحلبة وإعطاء الأمان لكل من يخرج من هناك، واستطاع إنقاذ عدد لا بأس به من الكتب، كما أمّن حياة بعض العلماء كان منهم ابن الفوطيّ..
لقد خلط الرجلان عملاً صالحاً وآخر سيئاً، ويبقى السؤال، أيغفر هذا الصالح ذاك السّيئ؟! شخصياً لا أعتقد!
الجنّة لله يدخلها من يشاء برحمته، والنّار لله يدخلها من يشاء بعدله، فلنترك هذا الأمر لله، ولنصلح دنيانا، لأن الدنيا العوجاء لا تُوصِل إلى الله! وقتل المواهب جريمة تُعادل قتل الأنفس وإن كان لا يُعاقب عليها القانون! وإن كان لنا الحق في محاسبة الناس على مواقفهم في الحياة، فيجب ألا يغيب عن بالنا أننا وضعناهم في ظروف نتجتْ عنها هذه المواقف! ولا نكن كمن قال فيه الشّاعر:
ألقاه في اليمّ مكتوفاً وقال له
إياك إياك أن تبتلّ بالماء!
بقلم : أدهم شرقاوي