+ A
A -
عصفت بنا في منطقة الخليج العربي مشاعر حُزن عميقة، أخذت بصمة خاصة عند نبأ رحيل الداعية الإسلامي الكبير الشيخ أحمد القطان رحمه الله، ورغم أن الشيخ اعتزل المنابر العلنية من سنوات بعد أزمته الطبية، إلا أننا شعرنا بمداهمة الخبر لنا ولكل محبيه في الوطن العربي الكبير، وإن كنتُ وغيري على معرفة بالعوارض الصحية المستمرة التي انتابت الشيخ، لكن ظل نبأ رحيله للدار الآخرة صدمةً لنا، العزاء فيه أن الشيخ جاء على موعدة من ربه، كانت تدوّي بها كلماته في وصيته الأخيرة وهو على فراش المرض، فهو مع الله في حياته وحين أذن العُمر بالانصرام. لقد حضر الشيخ أحمد القطان بقوة في مسارين، أولها منبر البعث الإسلامي والتذكير الأخلاقي، للأجيال الشابة والقريبة من عمره، في زمنٍ سيطر فيه التصحّر الروحي على الناس، وإن كان هذا العهد قد تجاوز بمراحل واقع تلك الفترة، في أسئلة القلق الفكري والطباع السلوكي، بل والكليات الإيمانية، ولذلك ذكّر فقده رحمه الله بتلك القبة القُدسية التي كان يخطب فينا باسمها، وهي معيّة الله المعنوية في القلب، وملازمة الملاومة لنكون في سرب المصلين المطمئنين بإيمانهم. إنني اُدرك تماماً مساحة الخلاف التي مثلها الشيخ، مع بعض الأطياف الفكرية العربية، والتي قد يرى البعض أن الشيخ كان متشدداً في بعض جدلياته، مع مواطنيه في الكويت أو مع بعض رفاقهم، في التيارات العلمانية المختلفة في الوطن العربي، غير أننا نشير هنا إلى أن مساحة اجتهاد الشيخ، في ردوده على تلك المواقف، لا يجوز أن تؤثّر على مكانته وما قدمه من عطاء ومصابرة، لإيصال صوت الإيمان القلبي إلى إقليم الخليج العربي وخارجه، بغض النظر عن مساحة الموافقة أو الاختلاف مع الشيخ الجليل. ونحن اليوم نستشعر معنى هذا الظمأ والتيه، ورياح السموم السوداء التي تكتنف العالم من كل زواياه، تقذف بحممها الخبيثة على المسلمين، تشككهم في جوهرهم الإيماني، وتتسلط على الإنسانية والبشرية المطلقة، لتحتل وجدان الأطفال وأحباب الله، وتلقي بهم في ظلمات التوحش الرأسمالي وأداته الجندرية الحداثية، ظلماتٌ بعضها فوق بعض، أضحت تحتل الإنسان من داخله من خلال سيطرة التكنلوجيا والجهاز المرافق والإدمان عليه، فكيف لا نستذكر بكل أطيافنا كفاح الشيخ الذي كان يَهدي للخير وتقوية الروح أمام عبث العالم الحديث. إنه البعث الإسلامي القلبي والممانعة الأخلاقية، التي نشعر جميعاً بضروراتها لنا ولأطفالنا، فنتذكر خطب الشيخ القطان فينا، وكيف كانت مكتبة الكاسيت تصل إلى بيوتنا في الخليج العربي، فيقوم فينا القطان الكويتي خطيباً وواعظاً كريماً. ومنذ كارثة غزو الكويت اتخذ الشيخ أحمد القطان، مساحة جديدة تضمنت مراجعات لبعض المواقف أو الرؤى في التعميمات السلفية (المتشددة) التي كان يؤمن بها، وليس ذلك تراجعاً عن منبر بعثه الإسلامي، لكنها ضرورة شعر الشيخ بأنها من مهام التصحيح الفكري، وهي تشمل أبناء الفكر السلفي أو المذهبي، وخاصة في تصحيح الموقف من بعض الأحكام الفردية والرفق بالناس، وأن رؤى بعض العلماء المتقدمين، لا يلزم منها أن تكون تقريرات حصرية، لعقيدة تخصص الإيمان لأقلية من المسلمين بل من أهل السنة، وتفرز البقية المختلفين فقهاً أو فروع اعتقاد أو رؤى فكرية معاصرة. لذلك كان يجد ارتياحاً نفسياً في تردده على الأحساء، بسبب أن التعدد المذهبي فيها، خلق مساحة فهم واحتواء وتقعيد للإحسان في التعامل بين المختلفين، وهي رؤية يحتاجها اليوم طلبة العلم، لمراجعة موقع أقدامهم، في بعض ما يتخذونه من أحكام صعبة وشرسة على من يخالفهم، وأن زاوية الرحمة في التعدد، هي ركن حكمة في فقه الإسلام العظيم، يجمع الناس كلهم على صراط الله المستقيم، ما دام الجوهر الإسلامي وأصوله يحكمهم. ولقصة الشيخ بقية.
copy short url   نسخ
25/05/2022
10