الحياة مزيج من الأضداد، فيها الخير وفيها الشر، فيها الجمال وفيها القبح، فيها جوانب ولحظات سعيدة وفيها جوانب ولحظات حزينة. لا تخلو حياة إنسان على وجه هذه البسيطة من المواقف السارة أو غير السارة، فطالما نحن على قيد الوجود لا بد أن نذوق من كأس البهجة والألم على حد سواء، لكن ما معنى هذا الكلام؟ ولماذا نجد بعض الناس دائمي التفاؤل، في حين نجد البعض الآخر دائمي التشاؤم؟عندما تعترضك مشكلة على سبيل المثال، فإن بداية الطريق إلى الحل تكمن في النظر إليها بحيادية وموضوعية بعيداً عن ردود الفعل العاطفية والاستجابات الانفعالية. هكذا بالضبط يجب أن نتفاعل مع الحياة، فلا ننغمس بعمق في بحور لذاتها ومسراتها فننسى أن كل يوم أبيض لا بد أن يتبعه يوم أسود ولو بعد حين، ما يستلزم منا الاستعداد له؛ ولا نغرق في وحل المعاناة والمآسي فنصبح أسرى للكآبة والسوداوية، لتستحيل حياتنا إلى مسرحية تراجيدية لا تنتهي فصولها إلا برحيلنا عنها، بدلاً من أن نستمتع بلحظاتها الجميلة مهما كانت مؤقتة.بالنسبة إلى المتشائم، تراه على الدوام يتطلع إلى الجوانب المظلمة من الحياة، فلا يرى سوى الأهوال والمآسي سواء كانت ماثلة أمامه أم حاضرة في مخيلته الخصبة التي تصور له كل شيء باللون الأسود المعتم. إنه يرى الجوانب القبيحة والمظلمة حتى في أكثر المواقف والأحداث جمالاً وإشراقاً. شمسه غائبة، وليله مستدام، كأنما يمشي في ظلمة حالكة لا يرى أمامه سوى القتامة والمصير المجهول. وعلى هذا المنوال يقضي المتشائم حياته جالباً التعاسة إلى أيامه برغم كل العطايا اليومية التي تُمنح له، ذلك أنه غير قادر على رؤية النور بعدما فقد القدرة على رؤية الجوانب المشرقة من الوجود، فلم يعد العالم بالنسبة له سوى مرتعاً لكل الأشياء السيئة.أما المتفائل، فتراه على الدوام يتطلع إلى الجوانب المشرقة من الحياة، فيرى الخير في أقسى اللحظات، ويستشعر السعادة في أكثر المواقف صعوبة، ويبصر الجمال حتى عندما تكثر الأشواك على جنبات الطريق. إن له مخيلة يطيب لها أن تتخيل الأشياء البراقة والأحداث السعيدة رغم كل التحديات، فلا تثنيه العقبات ولا تضعف عزيمته أمام خطوب الحياة مهما اشتدت. وهكذا يمضي حياته يقطف من شجرة الدنيا أحلى ما فيها من ثمار يانعة، ويقلب الموازين لصالحه بعدما كانت ضده، ويخترع لكل مشكلة تبدو عصية على الحل حلاً مبتكراً لا يبصره المتشائم، إنه يرى فرصة في كل إخفاق، ونجاحاً وراء أي سقطة، وعالماً من العطايا خلف آلام الحياة. لكل منا حرية الاختيار، فهل تفضل اختيار دور الضحية أم دور البطل؟ إن لعبت دور الضحية، فستقضي حياتك محروماً من عيش الواقع الذي تتمناه، وستصحو كل يوم على صوت المعاناة. يقول مثل شهير: «إن الألم أمر حتمي، بيد أن المعاناة أمر اختياري»، أي أن أي إنسان في الوجود معرض للألم لا محالة، لكن استمرار هذا الألم مرهون باختيارك؛ بوسعك أن تختار تحمله والتغلب عليه ثم المضي قدماً، أو الاستسلام لتلك المشاعر الحزينة وجعل حياتك برمتها تدور حولها كل يوم، ليستحيل ذاك الألم إلى معاناة دائمة.إن رؤية الجوانب المشرقة من الواقع لا يضمن لك الحصول على ما تريده دائماً، لكنه بكل تأكيد يضمن لك عيش أيام أجمل وأكثر سعادة، كما أن إدراكك لحقيقة أن جزءاً كبيراً من سعادتك ونجاحك مرهون بما تفكر فيه وتشعر به، فعندها ستعي جيداً أنك المسؤول عما أنت فيه من معاناة أو سعادة هو أنت ولا أحد سواك. صحيح أن الظروف الخارجية تلعب دوراً مهماً في حياتنا، لكن عالمنا الداخلي يلعب الدور الأكبر في تحديد ما إذا كنا سنعيش سعداء أم تعساء، فلا تركز على نصف الكأس الفارغ، بل ركز معظم انتباهك على نصف الكأس المملوء حتى تحظى بحياة وفيرة يتحقق فيها جزء كبير من أحلامك. فأنت من يصنع واقعك، لا أحد سواك.
آراء و قضايا
نصف الكأس الفارغ
حمد حسن التميمي
May 25, 2022
شارك