+ A
A -
قال أميرُ المؤمنينَ عليّ بن أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنه: لا تُربُّوا أبناءكَم كما ربّاكم آباؤكُم فإنّهم وُلدوا لزمانٍ غير زمانكم!
يبدو لي أنّ الفذّ ابن أبي طالبٍ كان يقصدُ بالتربيةِ هنا العقليّةُ لا القيم، فالقيمُ مجموعةٌ من الأخلاقِ الحسنةِ التي لا تفقدُ قيمتها بتعاقب الأيام، فعلى سبيلِ المثالِ: الأمانةُ والصّدقُ والوفاءُ والعفّةُ أخلاقٌ نبيلةٌ ما لم يتحلَّ بها الإنسانُ لن يكون إنساناً وإن وطأ سطح القمر، وشيّد ناطحاتِ السّحاب! أمّا العقليّةُ فهي طريقةٌ التفكير التي يتعاطى بها الإنسان مع واقعه، وما دام واقع الإنسان متغيّرا دوماً فالحكمة تقتضي طريقةٌ متغيّرة في التفكير أيضاً! وقريباً من هذا يقولُ العبقريُّ آلبرتْ آينشتاين: لا يمكنُ حلُّ المشاكلِ بنفس العقليّة التي أنتجتها!
يقولُ بيكاسو: قالتْ لي أُمي يوماً: إذا صرتَ جنديّاً ستصبحُ جنرالاً، وإذا صرتَ راهباً ستصبحُ البابا، ولكنّي صرتُ رسّاماً وأصبحتُ بابلو بيكاسو!
يرغبُ الأهلُ بغالبيتهم العظمى أن يصبحَ أولادهم أطبّاء أو مهندسين، وهذه رغبةٌ جديرة بالاحترام، ولا يمكننا أن نلومَهم لأنّهم أرادوا لأولادهم الأفضل، وليس في الأمرِ شيءٌ إن أرادَ الأهلُ من وراء هذا أن يتباهوا بأولادهم حتى! لا يُلام المزارعُ إذ يتباهى بمحصوله الوافر، والأهلُ زُرّاعٌ والأولادُ محصول! ولكن الذي يُخطئ فيه الأهلُ هو أن يجعلوا أولادَهم يعيشون حياةً لا يريدونها، ويمشُوا في طريقٍ لا يرغبون أن يمشوها! عندما نجبرُ ولداً أن يصبحَ طبيباً أو مهندساً وهو يريدُ أن يصبحَ شيئاً آخر فنحن هنا لا نخدمه بقدر ما نحطّمه! الوظيفةُ التي تدرُّ راتباً أكثر ليس بالضرورة أنها تدرُّ سعادةً أكثر! ولو تأملنا في الحياة من حولنا لاكتشفنا أنّ هناك ملايين الأطباء ولكن هناك بيتهوفن واحدا! وهناك ملايين المهندسين ولكن هناك محمود درويش واحدا! وهناك ملايين المدراء ولكن هناك أغاثا كريستي واحدة! وهناك ملايين الوزراء ولكن هناك محمد متولي الشعراوي واحدا! وهناك ملايين الجنرالات وهناك علي عزت بيغوفيتش واحدا!
كوننا جئنا بالأولاد إلى الحياة لا يعني أنّه يحقّ لنا نسلبهم حرّيتهم في اختيار حياتهم! وكوننا فشلنا في أن نصبح أطباء أو مهندسين فليس من حقنا أن نسعى لنصبح هذا من خلالهم! وكوننا نحب التباهي فليس من حقنا أن نجعل منهم «بريستيجنا» الاجتماعي! لماذا نريد أن نعيش حياتنا وحياتهم؟!
الأولادُ بحاجة إلى النّصح والإرشاد والتوجيه، لا بأس أن ننصحهم بالأفضل إذا رأيناه، ولا بأس إن وجهنا الطاقات، ووضعنا الأقدام على الطريق، بل هذا هو الواجب، ولكن البأس أن نتعامل معهم على أنّهم دمى ليس لها رغبات وأحلام وأمنيات، انصحوهم، ساعدوهم، وجهوهم، ناقشوهم، ولكن تذكّروا بعد كلّ هذا أن تدعوهم وشأنهم!
بقلم : أدهم شرقاوي
يبدو لي أنّ الفذّ ابن أبي طالبٍ كان يقصدُ بالتربيةِ هنا العقليّةُ لا القيم، فالقيمُ مجموعةٌ من الأخلاقِ الحسنةِ التي لا تفقدُ قيمتها بتعاقب الأيام، فعلى سبيلِ المثالِ: الأمانةُ والصّدقُ والوفاءُ والعفّةُ أخلاقٌ نبيلةٌ ما لم يتحلَّ بها الإنسانُ لن يكون إنساناً وإن وطأ سطح القمر، وشيّد ناطحاتِ السّحاب! أمّا العقليّةُ فهي طريقةٌ التفكير التي يتعاطى بها الإنسان مع واقعه، وما دام واقع الإنسان متغيّرا دوماً فالحكمة تقتضي طريقةٌ متغيّرة في التفكير أيضاً! وقريباً من هذا يقولُ العبقريُّ آلبرتْ آينشتاين: لا يمكنُ حلُّ المشاكلِ بنفس العقليّة التي أنتجتها!
يقولُ بيكاسو: قالتْ لي أُمي يوماً: إذا صرتَ جنديّاً ستصبحُ جنرالاً، وإذا صرتَ راهباً ستصبحُ البابا، ولكنّي صرتُ رسّاماً وأصبحتُ بابلو بيكاسو!
يرغبُ الأهلُ بغالبيتهم العظمى أن يصبحَ أولادهم أطبّاء أو مهندسين، وهذه رغبةٌ جديرة بالاحترام، ولا يمكننا أن نلومَهم لأنّهم أرادوا لأولادهم الأفضل، وليس في الأمرِ شيءٌ إن أرادَ الأهلُ من وراء هذا أن يتباهوا بأولادهم حتى! لا يُلام المزارعُ إذ يتباهى بمحصوله الوافر، والأهلُ زُرّاعٌ والأولادُ محصول! ولكن الذي يُخطئ فيه الأهلُ هو أن يجعلوا أولادَهم يعيشون حياةً لا يريدونها، ويمشُوا في طريقٍ لا يرغبون أن يمشوها! عندما نجبرُ ولداً أن يصبحَ طبيباً أو مهندساً وهو يريدُ أن يصبحَ شيئاً آخر فنحن هنا لا نخدمه بقدر ما نحطّمه! الوظيفةُ التي تدرُّ راتباً أكثر ليس بالضرورة أنها تدرُّ سعادةً أكثر! ولو تأملنا في الحياة من حولنا لاكتشفنا أنّ هناك ملايين الأطباء ولكن هناك بيتهوفن واحدا! وهناك ملايين المهندسين ولكن هناك محمود درويش واحدا! وهناك ملايين المدراء ولكن هناك أغاثا كريستي واحدة! وهناك ملايين الوزراء ولكن هناك محمد متولي الشعراوي واحدا! وهناك ملايين الجنرالات وهناك علي عزت بيغوفيتش واحدا!
كوننا جئنا بالأولاد إلى الحياة لا يعني أنّه يحقّ لنا نسلبهم حرّيتهم في اختيار حياتهم! وكوننا فشلنا في أن نصبح أطباء أو مهندسين فليس من حقنا أن نسعى لنصبح هذا من خلالهم! وكوننا نحب التباهي فليس من حقنا أن نجعل منهم «بريستيجنا» الاجتماعي! لماذا نريد أن نعيش حياتنا وحياتهم؟!
الأولادُ بحاجة إلى النّصح والإرشاد والتوجيه، لا بأس أن ننصحهم بالأفضل إذا رأيناه، ولا بأس إن وجهنا الطاقات، ووضعنا الأقدام على الطريق، بل هذا هو الواجب، ولكن البأس أن نتعامل معهم على أنّهم دمى ليس لها رغبات وأحلام وأمنيات، انصحوهم، ساعدوهم، وجهوهم، ناقشوهم، ولكن تذكّروا بعد كلّ هذا أن تدعوهم وشأنهم!
بقلم : أدهم شرقاوي