التجاهل فن لا يتقنه إلا الشخص الذي يدرك أن الاحترام ليس هبة يقدمها للجميع، فهناك من يستحق تجاهلك بعد أن تستنفد كل الحلول معه، حتى يحترم نفسه أولاً، وهناك مواقف تتطلب منك التجاهل الذي يزيدك بريقاً في عين الأحبة.. لكن قبل أن تتصرف إزاء الناس بهذا الأسلوب عليك تحديد ما إذا كان الشخص الذي تتجاهله يستحق هذه المعاملة المؤقتة أو الدائمة، أم أن هناك حلولاً أخرى مطروحة على الطاولة. وعليك أيضاً أن تفرق بين التجاهل الذي يراد به تعزيز الحب بينك وبين أحبتك، وبين التجاهل الذي يراد به الترفع عن الرد على المزعجين.
إن التجاهل ليس سلاحاً تشهره في وجه أي كان ودون إدراك ووعي، بل هو في أغلب الأوقات اتخاذ احترازي يراد به تجاوز موقف لحظي أو مرحلة عابرة. ربما تعتقد كبعض الناس أن التجاهل شماعة يعلق عليها الضعفاء إخفاقهم في التصدي لإساءات الآخرين، لكنك عندما تدرك ما لهذا الفن من آثار إيجابية على حياتك وتعاملاتك ومشاعرك الذاتية؛ ستبدأ في اعتبار التجاهل منبع قوة، وأساس بناء العلاقات المتينة، في مقابل اجتناب تلك العلاقات المدمرة.
للتجاهل استخدامات كثيرة، منها أن تهمل شخصاً تربطك به علاقة محبة من الناحية العاطفية لبعض الوقت، حتى تؤدبه وتهذب سلوكياته السلبية. ومنه أيضاً تجاهل الشتائم والإساءات اللفظية بحقك، فلا شيء يسكت المسيء أكثر من تجاهله. إنك عندما لا تلقي بالاً لما يقوله هذا الشخص، فأنت في الحقيقة تسحب البساط الأحمر من تحت قدميه دون أن يدري.
على صعيد آخر، هناك أشكال جميلة للتجاهل، منها أن تتجاهل أخطاء المحبوب، فتسامحه على هفواته وزلاته، وتغض الطرف عن بعض أخطائه التي تكون عابرة لا حاجة إلى الإشارة إليها فور حدوثها.
لكن احذر، فهناك تجاهل مذموم عليك اجتنابه؛ فتجاهلك لنصيحة شخص يهتم بك فعلاً ليس بالأمر الطيب، وتجاهلك لمطالب الحبيب يعد استخفافاً به وبمطالبه المشروعة. لهذا، فإن التجاهل المطلوب هو ذاك التجاهل الذي لا يهدم بل يبني.
إن الحياة مليئة بالمواقف الصعبة والحرجة التي تستلزم منا اتخاذ مواقف تمكننا من التعايش مع من حولنا، دون الاضطرار للاحتكاك بالبعض منهم أو الدخول في مشاجرة أو خصام. هذا ما يسمى بالحدود، ففي بعض العلاقات ينبغي أن تترك مسافة بينك وبين الطرف الآخر، حتى تضمن السلامة.
بعض الناس يحبون تصيد الأخطاء، وانتقاد الآخرين صباح مساء، والإساءة لمن حولهم بسبب أو دون سبب. أمثال هؤلاء هم الأولى باستخدام التجاهل معهم. لا تعر انتباهاً ولا اهتماماً لأي شخص يحاول تصيد أخطائك، وجعلك تبدو على الدوام بمظهر الساذج، لا تسمح لأي إنسان بانتقادك بطريقة سلبية، ولا بالإساءة إليك. قد يفضل البعض استخدام أساليب أخرى، لكن التجاهل من أكثر الأساليب الناجحة في التعامل مع هذه النوعية من الأشخاص، الذين يمكن أن تضع حداً لهم من خلال تجاهلهم بكل بساطة.
إن إبداء ردة فعل تجاه شخص يحاول استفزازك هو أكثر ما يروق له؛ فما تلك الكلمات الجارحة أو الأفعال المسيئة إلا ليشعر بأهميته، وبأنه استطاع إغضابك أو جعلك تشعر بالدونية. لهذا فإن تجاهلك لبعض الأقوال والتصرفات المسيئة حسب تقديرك للموقف، يجعل الطرف المسيء ينكفئ على ذاته، ويشعر بالصغار أمامك. ليس هناك حقيقة من سلاح ضد من يحاول استفزازك للحصول على ردة فعل كيفما كانت، أمضى من سلاح التجاهل الذي يجرده من كل أسلحته.
استخدم التجاهل بحكمة، فهناك مواقف تتطلب منك التجاهل، وأخرى تستلزم منك رداً ذكياً أو حازماً. تأكد تماماً، أنك كلما اختبرت مزيداً من المواقف الحرجة في حياتك، استطعت تكوين صورة أفضل حول آلية الاستجابة المناسبة. وتذكر، أنه يمكن للتجاهل أن يحمل فوائد لا تعد ولا تحصى لحياتك وحياة من حولك إن أنت استعملته بحنكة. فابدأ بإتقان هذا الفن؛ لأن التجاهل نصف الحكمة.