يروي «لافونتين» في كتابه «خرافات» أنَّ قطا وقردا كانا يعيشان حياة مدللة في منزل أحد الأثرياء، ولكن برغمِ الدلالِ المُفرطِ الذي كانا يلقيانه، كانَ للمنزلِ قوانين صارمة، حيث يُمنعُ على أيٍّ منهما أن يأخذَ ما ليسَ له، ولا أن يقتربَ مما هو ممنوع.الدلالُ ضمن القانون، كان هذا قانون اللعبة!وذات يوم شتاء بارد، وضعَ الطبَّاخُ لسيده بعضَ ثمارِ الكستناءِ فوق نارِ الموقد، وعندما أدارَ ظهره اشتهى القردُ الكستناء، ولكنه كان يعرفُ أنَّ كسرَ القاعدةِ يعني عقابا أليما.فقالَ للقط: ليتَ لي مخالبكَ، أنتَ تستطيعُ أن تمدَّ يدكَ وتأتي لنا ببعضِ الكستناء الشهية. أعِرْني يدكَ يا صديقي ولا تَخَفْ!وأمسكَ بيدِ القطِّ والتقطَ بها الكستناء، ثم أكلَها بسرعة!وعندما جاءَ الطبَّاخُ، ورأى يد القط متسخة، ويد القرد نظيفة اعتقدَ أنه الجاني. فشكاه إلى سيد البيت، الذي أمرَ بحبسه في القبو عقابا على ما اقترفتْ يده! قانونُ اليد النظيفة هو ما أوصى به «ميكافللي» الساسة في كتابه الشهيرِ «الأمير»!حيث على الحاكم أن يقومَ بتركِ كل القرارات التي فيها «سواد وجه» إلى وزرائه ومُساعديه، فيتلقُّون هم سخط الناس بدلاً عنه، ويصبحون كأكياسِ الملاكمة يفرِّغُ الناسُ غضبَهم عليها، بينما يتركُ هو لنفسهِ القرارات المحبوبة كرفعِ الرواتبِ مثلاً، أما رفع الضرائبِ فهذه يُعلنُها وزيرُ الاقتصاد، وتقييد الحريات هذه من شأنِ وزير الداخلية! عندي صديقٌ خفيفُ دم، كنا نتحدثُ في يومٍ من الأيام حولَ قانونِ اليد النظيفة، فقالَ لي: لا أعلمُ ما الذي يُغضِبُكَ من هذا القانون، جرِّبْ أن تستخدمه في حياتكَ الخاصة، ستجده جميلاً جداً! قلتُ له: وكيف هذا؟فقالَ لي وهو يبتسم: أنا مثلاً قسمتُ المهام المنزلية بيني وبين زوجتي، وبِحُكْمِ أعمالي فهي عليها أن تُشرفَ على تدريسِ الأولاد، بينما في أيام الامتحاناتِ إذا درسوا كثيراً أطلبُ منهم أن يتوقفوا، إن هذا القدر يكفي، وبهذا أُصبحُ في نظرهم البطل المحبوب!هي تُعطيهم مصروفهم اليومي وهذا أمرٌ عادي عندهم لأنهم يَرونه من حقوقهم، بينما أمنحُهم مبلغاً شهرياً بسيطاً عند نزولِ الراتب، وبهذا أُصبحُ عندهم حاتم الطائي!هي تُشرفُ على أوقاتِ نومهم، بينما أكسرِ أنا قاعدة النوم هذه مرةً في الشهر، وأدعهم يسهرون براحتهم في هذه الليلة فأنا بعيونهم الثائر الذي يُطالبُ بحقوقهم!الحمدُ لله أن صديقي هذا ليسَ له طموح سياسي لأننا بصراحة «مش ناقصين»!
آراء و قضايا
يدٌ نظيفةٌ!
أدهم شرقاوي
May 26, 2022
شارك