في المؤتمرِ الصّحفيّ الذي تمّ فيه الإعلانُ عن بيع نوكيا إلى مايكروسوفت، ختم الرّئيسُ التّنفيذيّ لنوكيا ستيف بلمر كلمته قائلاً: نحنُ لم نفعل أيّ شيءٍ خاطئ، لكن بطريقة ما خسرنا! ثمّ بكى بلمر وبكى معه فريق إدارته!
لم يكن بلمر أوّل من بكى مجداً ضائعاً، وبالتّأكيد لن يكون الأخير! فقبل ما يزيدُ على خمسمائة سنةٍ بقليل، وقف عبد الله الصّغير باكياً ضياع الأندلس، فقالتْ له أمُّه: ابكِ كالنّساءِ ملكاً لم تحافظ عليه كالرّجال!
البكاءُ إذاً هو المشهدُ الأخيرُ في مسرحيّة السقوط ثمّ تنسدل السّتارة عن مجدٍ تليد، ويعتلي خشبة الحياة ممثل آخر ليقوم بدور البطولة!
السّقوط ليس حدثاً اعتباطياً، ولا ظاهرة عشوائيّة، على العكس تماماً هو ظاهرة محكومة بقانون دقيق، وحدث تسبقه خطوات منظّمة، فإذا أردتَ أن لا تسقط إليكَ مواد القانون:
1. لا تعشْ على أمجاد الماضي! نوكيا والأندلس كانا صاحبا تاريخٍ مشرق، ولكن التّاريخ المشرق لا يشفعُ للحاضر المزري! تربّعت نوكيا على عرش الهواتف النقالة لسنوات، وتربّع الأندلس على عرش الحضارة الإنسانيّة لقرون لأنهما اهتما بالحاضر، دوماً من يهتم بالحاضر يترك خلفه تاريخاً عريقاً، أما من يهتم بالتاريخ فقط فلا يخسر الحاضر وإنما يخسر المستقبل أيضاً!
2. لا يكفي أن لا تفعل شيئاً خاطئاً كي لا تسقط، أحياناً يكون السقوط بسبب أنّك لم تفعل الصواب لا بسبب أنك فعلتَ الخطأ! بحسب بلمر لم تفعل نوكيا شيئاً خاطئاً، ولكن السيد بلمر فاته أن أكبر خطأ يفعله الإنسان هو أن لا يفعل الصواب! حتى عبد الله الصغير كان يعتقد أنّه لم يفعل شيئاً خاطئاً ولكنه أيضاً لم يفعل الصواب، كان عليه أن يحكم بهمة عبد الرحمن الداخل!
3. لا يكفي أن تركض لتكسبَ السباق وإنما عليكَ أن تركض أسرع من الآخرين! هذه إحدى بديهيات الحياة، إننا نعيش في سباق كبير، دولاً وشركات ومؤسسات، لتتخلف لا يعني أنك لا تخترع ولا تتطور ولا تتكيف مع المتغيرات، يكفي أن يخترع الآخرون ويتطوروا ويتكيفوا أكفأ منك ليتجاوزوك! في الحياة لا نتسابق مع أنفسنا وإنما مع الآخرين! نوكيا والأندلس لما يخسرا السباق لأنهما توقفا عن الركض، ببساطة لقد ركض الآخرون أسرع منهم!
4. الحياة كمباراة الملاكمة يحكمها قانون واحد: إما أن تُسدد اللكمات أو تتلقاها! لا يمكن لأحدٍ أن يدافع طيلة المباراة، وحتى إن دافع ولم يسقط بالضربة القاضية فسيسقط بمجموع النقاط! حتى الدفاع بهذه الطريقة غباء، في الحياة كما في الملاكمة وكرة القدم: خير وسيلة للدفاع هي الهجوم! ونوكيا والأندلس انشغلا بالدفاع فهاجمهم الآخرون بلا هوادة!
5. إما أن تُشغل الآخرين بأنفسهم أو سيشتغلون بك! الدول التي تفقد عنصر المفاجأة حتماً ستتفاجأ! والشركات التي تفقد عنصر السبق ستُسبق، لتحمي حدودك القديمة عليكَ أن تسيطر على حدود جديدة! ولتضمن أسواقك القديمة في جيبك عليك أن تبحث عن أسواقٍ جديدة! نوكيا والأندلس كانا انطوائيين، وعندما تركوا الآخرين وشأنهم لم يتركهم الآخرون وشأنهم! الأمر أشبه بمنطقة صيد الأسود، إما أن يدافع الأسد عن منطقته ببسالة ويسعى لتوسيعها أو يخسرها!
بقلم : أدهم شرقاوي