+ A
A -
كثيرة جدا هي الظواهر التي أفرزتها ثورات الشعوب الأخيرة وما أعقبها من مسارات ومآلات لكن من بين هذه الظواهر تنفرد بعضها عن البقية بطابعها المفاجئ وخصائصها الصادمة. لا يختلف اثنان في مرارة حصاد الربيع وفي نتائجه المحزنة في بعض الدول... وخيبة الأمل الكبيرة التي مُنيت بها الشعوب والمجتمعات والأوطان بعد أن كانت تأمل في التحرر.. طرفان أساسيان كوّنا المشهد السياسي والاجتماعي العربي بعد سقوط الأنظمة وهي النخب من ناحية والشعوب من ناحية أخرى. طرح السؤال التالي: ماذا حدث ؟ ولماذا عاد الاستبداد من جديد ؟ كيف تبخر حلم الحرية والتحرر؟ من المسؤول عن الجريمة؟ هل انتهى حلم الحرية؟ وهل القمع والموت هو قدر هذه الأمة وهذه الشعوب؟ الثورة ليست صدفة تاريخية بل هي أبعد ما تكون عن ذلك ولا هي ترفا اجتماعيا بل هي مآل طبيعي ونتيجة حتمية بل هي المخرج الوحيد حين تنسدّ كل الطرقات وتغيب كل الحلول. إنها الانفجار الحتمي والضروري الذي يمنع المجتمعات والشعوب من الموت ومن الاندثار. الثورة هي الحلّ السلمي الأخير الممكن قبل الانتحار والحرب الأهلية. ليست هذه المقولات رأيا ولا خلاصة بل هي قوانين اجتماعية لا تختلف عن قانون الفيزياء وقوانين الكائن الحي وهي نواميس تسري على كل المجتمعات والشعوب والتجمعات الإنسانية. للثورات ذاكرة فردية وجماعية إذا تتعلّم من تاريخها وتجاربها فلا تكرر أخطائها بل تصححها وتستفيد منها من أجل منع تكررها. وهو الأمر الذي يحيل مباشرة على نظرية الموجات الثورية التي ترى في المسارات الثورية موجات متعاقبة تصحح عبرها الثانية ما أخطأت فيه الأولى. ارتكبت الثورات أخطاء قاتلة بأن سلّمت أمرها إلى نخب لم تشارك فيها ولا هي قادتها أو قادت إليها، بل تسلّقت الموجة الشعبية مستفيدة من تاريخها المسرحي في مواجهة السلطة السياسية التي هي جزء منها. هذا الخطأ القاتل هو الذي قاد إلى انهيار المسارات الثورية برمتها وتحولها من ثورات شعبية تلقائية إلى حروب أهلية طاحنة وهو الخطأ الذي ستصححه مسارات الأمة القادمة نحو التحرر وتفعيل كرامة الإنسان.محمد هنيدأستاذ محاضر بجامعة السوربون[email protected] -