+ A
A -
يقولُ الشّيخ علي الطنطاوي رحمه الله:
لبثتُ قاضياً في محكمة النّقضِ سبعاً وعشرين سنة، فوجدتُ أنّ أكثر حوادث الطّلاق سببها غضبُ الرجل الأعمى، وجوابُ المرأة الأحمق!
الخِلافاتُ الزّوجية شيء طبيعي في حياة أي زوجين، تفرضها هموم الحياة ومتطلباتها، واختلاف أمزجة الناس وتقلبها، ولا تستغربوا إذ أقول إنها دليل عافية، بل هي ضرورية أحياناً! ونحن نحتاجها بين فترة وأخرى كما نحتاج الوفاق فيما تبقى! لأنّ الحياة التي تسير على وتيرة واحدة تأسن كالماء الرّاكد! ولكني أقصد الخلافات التي تبقى ضمن نطاق الأدب فلا تُهان فيها الكرامات، ولا تُمتهن فيها المشاعر، ولا تُكسر فيها القلوب، لأنّ كسر القلوب وإن كان لا يصدر صوتاً ككسر العظام إلا أنها أشدّ ألماً! وتذكروا أن النبلاء يظهرون في الخصومات، ففي لحظات الوفاق كلنا نبلاء!
ولكن جرت سُنة الله في النّاس أن تصل الأمور أحياناً إلى طريق مسدود، فالنّاسُ كالمركّبات الكيميائية، بعضها إذا تلاقى كان هناك خيرٌ كثير، تماماً كما يتلاقى الأوكسجين والهيدروجين فيكون الماء! وبعضها إذا تلاقى كان هناك خراب كبير، تماماً كما يُطفئ الماء الحرائق، ولكننا إذا سكبناه على الصوديوم الجالس بأمان الله اشتعل!
ولكن علينا أن لا ننسى أنّ المركبات الكيميائية مخلوقات عاجزة أمام التفاعلات! فهي لا تملك إرادة أن تتفاعل أو لا تتفاعل، عندما تتهيأ لها الظروف تنجر إلى التفاعل بلا حول ولا قوة! ولكن البشر ليسوا بهذا العجز، لقد خلقنا الله سبحانه بعقول وإرادات، وقدرة على تجنب المشكلات وتلافيها، فكثير من المشاكل التي تقع إنما تبدأ بالأساس صغيرة ولكن ردة فعلنا تجاهها هو الذي يُفاقمها!
والرّجلُ الحقيقيّ هو رجل للمرأة لا عليها! ومن لطيف ما قرأتُ في تفسير «وعاشروهنّ بالمعروف»، قال المُفسّر: العشرة بالمعروف ليس عدم إلحاق الأذى بها، وإنما احتمال الأذى منها! أحياناً موقف نُبل من الرّجل يُطفئ مشكلة لو تفاعل معها لشبّ في البيت حريق كبير! تماماً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى لياليه في بيت عائشة، إذ أرسلت إليه إحدى زوجاته قصعة فيها طعام مع خادمها، فما كان من عائشة إلا أن ألقتها من يد الخادم فانكسرت! فالتفتَ النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وقال مبتسماً: غارتْ أمكم! وطلب من عائشة أن تعطي الخادم قصعة بدل التي كسرتها! بموقف عقل وقلب حوّل العظيم موقفاً غاية في الإحراج إلى موقف غاية في النُبل!
والمرأةُ الحقيقية هي التي تأبى أن تتخلى عن أنوثتها مهما أغراها الموقف بذلك! مناقشة رجل غاضب كمحاولة إطفاء النار بإلقاء الحطب فيها! سكوت المرأة في غضب الرّجل هو الموقف المثاليّ في تلك اللحظة، وعندما تهدأ الأمور تقول ما أرادت آنفاً أن تقول متذكرة أن الأسلوب جزء من الكلام، فالأسلوب السّيئ يحط من المضمون مهما كان صادقاً وجميلاً، ولا يغبْ عن بالكنّ أنّ الرجل طفل كبير، بالحيلة واللطف تجعلونه طيّعاً، وبالعناد تجعلونه شرساً!
شرع الله الطلاق حلاً لمشكلة لم يعد لها حلّ غيره، ولكن علينا أن نتذكر أننا أزواج وزوجات نوصل الأمور بأيدينا إلى طريقها المسدود، وإن حياة تكفّل الله أن يجعل فيها مودة ورحمة لا تفشل إلا إذا أردنا لها أن تفشل!
قديماً كان الطلاق أقلّ ليس لأنّ الناس امتلكوا مقومات سعادة أكثر، ولكنهم امتلكوا إرادة حياة أكثر! موقف نُبل وعقل من الرجل، وموقف أنوثة وهدوء من المرأة، هو كل ما نحتاج في بيوتنا... وتستمر الحياة!
بقلم : أدهم شرقاوي