قالَ الشَّعبيُّ: شهدْتُ شُريحاً القاضي وقد جاءته امرأة تُخاصمُ رجلاً، فأرسلتْ عينيها وبكتْ بكاءً شديداً.
فقلْتُ له: يا أبا أُمَيَّة، ما أظُنُّ هذه البائسة إلا مظلومة!
فقالَ لي: يا شعبيُّ، إنَّ إخوةَ يُوسف (جاؤوا أباهم عشاءً يبكون) !
هذا هو شأن الناس دوماً، يكونُ أحدهم ظالماً مفترياً، ثم يجلسُ يتشكَّى كأنَّهُ المظلوم.
يجلدُكَ أحدهم بِسَوْطِ لسانه، ويأكلُ لحمكَ في كلِ المجالس، فإذا فاضَ بكَ الكأس، وما عادَ فيكَ ذرة احتمال، فرددْتَ عليه بعض قوله، لرأيته قد لبسَ عباءةَ التُقى، واتهمكَ بما هو غارق فيه!
تُوزَّعُ تركة الأب، فيستأثرُ بعضهم بها، فإذا طالبَ بعضُ الإخوةِ بحقِّهِم في القضاء، صاروا يقولون: أين صلة الرحم، وكيف يُجرجرُ المرءُ أخاه إلى المحاكم؟!
يُريدون أن يضجعوكَ أرضاً، ويُسلموا وتلَّكَ للجبين، ويذبحوكَ، فإذا انتفضتَ اتهموكَ أن سكينهم آذتهم لأنكَ لم تكُنْ ذبيحاً مُسالِماً! ولو نفرَ دمُكَ وأصابَ ثيابهم لاشتكى الذابحُ من قلةِ صبرِ الذبيح!
تعيشُ الزوجةُ ردحاً من الزمنِ صابرة، لا يُسمع لها صوت، تتلقَّى الإهانة بعد أُخرى، ممَّن خانَ الأمانة، فإذا فاضَ بها الكأس، وأنطقَهَا الألم، اتَّهموها بالنُّشُوز!
مشكلةُ الناسِ أنهم لا يعرفون إلا رداتِ الأفعال، أما العذابات المتكررة، الإهانات التي لا تحتملها الجبال، الظلم الذي تراكمَ فوق بعضه حتى بلغَ عنانَ السماء، فلا يراه أحد!