+ A
A -

روى المؤرخ محمد راغب الطباخ، أنَّ الشيخ إبراهيم الهلالي الحلبي، العالِم الصالِح الجليل، قد ذهبَ من حلب إلى القاهرة ليطلب العلم في الأزهر، وأثناء طلبه العلم هناك، افتقرَ وضاقتْ به الدنيا حتى لم يكد يحصل على لقمة خبز، ومضى عليه أكثر من يوم دون أن يأكل شيئاً، فخرج من غرفته في الأزهر ليسأل عن طعام، فشاهد باباً مفتوحاً، وشمَّ منه رائحة طعام، فدخل المطبخ، ولم يجد أحداً في البيت، فأخذ الملعقة وغمسها في الوعاء، ثم انتبه، وقال في نفسه: دخلتُ بيتاً دون إذن، والآن أريد أن آكل طعاماً بالحرام، والله لا يكون وإن متُّ جوعاً وترك الملعقة في الوعاء، وخرج!

ولم يمضِ عليه أكثر من ساعة إلا وأحد شيوخه ومعه رجل يدخلان عليه غرفته، وقال له الشيخ: هذا الرجل الفاضل، جاءني يريدُ طالب علمٍ صالح ليكون زوجاً لابنته، وقد اخترتُكَ له، فقُمْ بنا إلى بيته لنعقد لكَ على ابنته!

فقام معهما متحاملاً على نفسه، فإذا هو البيت الذي دخله، وغمس الملعقة في طعامه!

ولما عُقِدَ العقدُ، جيء بالطعام، فإذا بالملعقة ما زالت كما غمسها، فأكل، وقال في نفسه: صبرتُ على الحرام حتى صارَ حلالاً!

وكان بعد ذلك يُحدِّثُ بالقصة، ويحثُّ الناس بها على الصَّبر!

قصة عظيمة نحتاج أن نقرأها بقلوبنا لا بعيوننا، فإنَّ كل معرفة في العقل هي علم، ولكن كل معرفة بالقلب فهي إيمان، ولم تكن القصة يوماً بمقدار ما تعرف، وإنما بمقدار ما تُؤمن، وإبليس بالمُناسبة من أعلم المخلوقات بالحلال والحرام!

نحتاج أن نؤمن أن الله سبحانه قد كتبَ الأرزاق والآجال للناس قبل أن يُبصِروا نور الحياة، وأن الإنسان مهما سعى فلن يبلغ غير رزقه المكتوب له، وهذا ليس تحريضاً على تركِ السعي، على العكس تماماً، ولكنه سعي المؤمن الوقَّاف عند الحلال والحرام، لا سعي الحيوانات المفترسة التي تفتك بكل ما يمرُّ أمامها من فرائس!

وأن الإنسان مهما اتخد من سُبُلِ السلامة فلن يعيش أكثر مما كُتب له، وهذه ليست دعوة لترك الأخذ بالسلامة، وإنما أن نؤمن يقيناً أنه ما منعَ حذرٌ من قدر!

كل ما حصلتَ عليه هو رزقكَ، وإنك لو هربتَ منه لتبعكَ حتى يصل إليكَ، حتى ما أُخذَ بالحرام، ولكن الإنسان لقلةِ إيمانه وأدبه مع الله يستعجل الحلال بالحرام، ولو صبرَ على الحرام لجاءه الحلال لأنه بالأصل له!

copy short url   نسخ
25/09/2022
515