الخوف ليس طفرة في عالم البشرية، ولا سمة ذميمة، بل هو شعور أو رد فعل عاطفي ينتاب الإنسان عندما يتعرض إلى موقف أو حدث يتهدد وجوده أو أحلامه.
في بدايات البشرية كان الناس يخشون أهوال الطبيعة من براكين وزلازل وصواعق وفيضانات، إلى أن صار الإنسان يخشى من أخيه الإنسان الذي لا يستطيع أن يتنبأ بما يخفيه، ويدرك دوماً ما يخبئه في جعبته، كون دخائل النفوس مخفية عن الجميع، فلا أحد مطلع على سريرة أي شخص في العالم.
ومع مرور العقود وتعاقب العصور أخذ الخوف يتخذ أشكالا عديدة لا حصر لها، وصولاً إلى خوف المرء من الفشل، واختراع سيناريوهات سوداوية للمستقبل ونحن نحيا في قلب الحاضر، فمن أبرز قدرات العقل البشري هي قدرته على التخيل، ونسج القصص غير الواقعية، ومن ثم تصديقها كأنها أمر واقع.
كثير من الناس يقضون حياتهم خائفين من الفشل، فيقعد واحدهم عن العمل، ويستسلم متى واجه مشروعه الجديد عقبة صغيرة، أو حتى إنه لا يبدأ مشروعاً لمجرد الخوف من احتمالية الإخفاق؛ فيحرم نفسه من إمكانية إنجاز شيء مهم في حياته، بل والأغلب أنه يفشل في معظم جوانب حياته ولا يصل إلى حيث يصبو، بسبب هذا الخوف الذي يستبد بكيانه فيملي عليه ما يفعل وما لا يفعل.
لا شك أن الخوف أمر فطري يمكن أن يكون مفيداً وصحياً في بعض المواقف، لكونه أشبه بناقوس الخطر الذي يدق لتنبيه الإنسان بأن هناك موقفاً حساساً ينبغي تجنبه أو الاستعداد له، لكن الخوف في الوقت ذاته يمكن أن يتحول إلى سور يحول بيننا وبين أحلامنا، إن هو أصبح حالة تلازم المرء كل يوم فتعيقه عن التقدم.
يعد الخوف من الفشل من أكثر المعوقات التي تمنع الإنسان من تحقيق أهدافه، لكن هناك أيضاً الخوف من النجاح، والذي يعتبر فوبيا شائعة بين أوساط الناس في شتى أنحاء العالم، تجعل الشخص يتجنب أداء مهامه وواجباته، ويلجأ إلى المماطلة والتسويف، ويهرب من إنجاز أي عمل يمكن أن يسلط الضوء على مهاراته وقدراته.
أما الخبر الجميل، فهو أن الخوف ليس حالة مستعصية على الحل، بل هناك العديد من الاستراتيجيات المناسبة للتغلب عليه. حيث إن مواجهة الخوف على سبيل المثال لا الحصر تعد من أهم الطرائق لخفض الشعور بالتردد. فكلما شعرت بخوف شديد من الإقدام على أمر، ادفع نفسك لفعله رغم إحساسك ذاك، مع تحكيم العقل طبعاً.
على سبيل المثال، ربما أنت من الأشخاص الذين يخافون التحدث أمام الجماهير، لكنك في الوقت ذاته تعمل مؤخراً في مجال إداري يتطلب منك الاجتماع بالموظفين وإلقاء كلمة أمامهم جميعاً. بدلاً من تجنب الموقف مراراً وتكراراً، ابدأ بعمل اجتماعات مصغرة تضم عددا محدوداً من الموظفين، ثم تدرج بنفس الأسلوب إلى أن تصبح قادراً على التحدث أمام عدد أكبر من الموظفين وتكسر حاجز الخوف ذاك.
أما بخصوص المخاوف المستقبلية، فيجب أن ندرك جيداً أن أعظم مخاوفنا لا تحدث أبداً، وإنما هي مجرد أوهام يخترعها عقلنا الباطن، ولهذا يجب أن تمارس فن العيش في اللحظة الراهنة لأنه كفيل بتخليصك من هواجس الأيام القادمة. المستقبل مجرد حدث لم يأتِ بعد، فلماذا تعيشه قبل أن يحدث؟ وغالباً لن يحدث كما تعتقد. إذن عليك التركيز على الحاضر فقط، والاستعداد للغد قدر استطاعتك، ثم ترك عجلة الحياة تدور وأنت مستبشر خيراً.
إذن، فالحل يكمن في مجابهة الخوف بدلاً من الهرب، وعش اللحظة الراهنة بانغماس تام، وتعلم كيفية محاكمة الأمور محاكمة عقلية منطقية، مع التفريق بين الوهم والحقيقة، ورفض الاستسلام مهما كانت التحديات، إلى جانب التفاؤل واستبشار الخير دوماً. افعل ذلك، وستشهد تحولاً كبيراً في حياتك الشخصية والمهنية، وستضع قدمك على طريق النجاح.